قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [كتاب الطلاق: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل) ، وفي لفظ: (ثم تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها) ، وفي لفظ: (فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وعن فاطمة بنت قيس: (أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب -وفي رواية: طلقها ثلاثاً- فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله مالكِ علينا من شيء.
فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقة -وفي لفظ: ولا سكنى- فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني.
قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته ثم قال: انكحي أسامة، قالت: فنكحته فجعل الله فيه خيراً كثيراً واغتبطت) ] .
الطلاق: هو تخلية عصمة المرأة بعد أن ربط بينهما وثاق النكاح، فالنكاح هو: رباط بين الزوجين، والطلاق حل لذلك الرباط.
علم الله تعالى أن الزوجين قد تسوء العشرة بينهما، فلا يتلاءم الزوج مع الزوجة، وتسوء صحبتها له أو صحبته لها، ويمل كل منهما من صاحبه، فحينئذٍ جعل لهما مخرجاً بهذا الطلاق، فأباح له أن يطلقها وجعل لذلك شروطاً وجعل له صفات وأسباباً.
ومع كونه مباحاً فإنه مكروه، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ، فجعله حلالاً ومع ذلك ذكر أنه مكروه عند الله؛ وما ذاك إلا أنه يسبب الفرقة بين الزوجين، وقد يكون بينهما أولاد، وقد يكون بينهما صحبة طويلة، وقد يندم بعدما يطلق ولكن بعدما يفوت الأوان، فهذا ونحوه من أسباب كراهة الطلاق.
وذكر العلماء: أنه يكون مباحاً، إذا احتاج إليه بأن ملّ صحبة المرأة ولم تناسبه ففي هذه الحال هو مباح، ومع ذلك فالصبر أفضل، فينبغي له أن يصبر ويتحمل المشقة، ويعاشر زوجته بما أمر الله بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فهذا أولى، ولكن إذا حصلت الأسباب التي تسيء الصحبة فإنه يكون حلالاً ومباحاً.
وأما إذا ضجرت منه الزوجة واشتد ضررها، واحتاجت إلى أن تفتدي نفسها وتبذل شيئاً من مالها حتى تفارقه وتتخلص من شره وغضبه، ففي هذه الحال يكون مستحباً؛ لما فيه من إزالة الضرر وتفريج الكربة.
مر بنا هذا الحديث عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) يعني: قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ، وفسرها بعضهم بقوله: في قُبُلِ عدتهن، أي: في أول العدة، بأن تطلق في مستقبل العدة؛ وذلك لأنه إذا طلقها وهي حائض فإن تلك الحيضة لا تحسب من العدة، فيكون سبباً في تطويل العدة بخلاف ما إذا طلقها وهي طاهر قبل أن يمس فإن ذلك الطهر يكون أول عدتها، أو تكون الحيضة التي بعده هي أول عدتها.