أما قصة عثمان بن مظعون فـ عثمان رضي الله عنه توفي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المهاجرين ومن العباد ومن الزهاد، فهو لما هاجر شدد على نفسه وكلفها، واعتزل امرأته وكانت له امرأة جميلة، فبقيت معه مدة طويلة لا يسأل عنها ولا يشتغل إلا بالعبادة، فلما رآها النساء وهي متبذلة غير متجملة لباسها خشن وشعرها شعث سألنها فأخبرتهم بأن زوجها لا حاجة له في النساء، وأنه يريد أن يتبتل، أي: ينقطع إلى العبادة ويترك الشهوات ويترك النساء والتلذذ بهن، وعزم على ذلك.
لما سمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن ذلك ورده عليه، وقال: (لا يحل لك؛ فإن امرأتك لها حق عليك، ونفسك لها حق عليك) ، فليس لك أن تحرم نفسك شهوتها ولذتها، ولا أن تحرم نفسك ما ينتج عن هذا النكاح من إعفاف امرأتك، وكذلك من ذرية صالحة يكونون بعدك يذكرونك بذكر حسن ونحو ذلك.
فعند ذلك رجع إلى امرأته، ولما رجع إليها رجعت إلى جمالها وإلى زينتها، وقد كان بعض من الصحابة أرادوا أن يتبتلوا كما تبتل عثمان، ولو أذن النبي عليه الصلاة والسلام لـ عثمان بن مظعون بالتبتل لكثر المتبتلون من الصحابة، فعلموا -أيضاً- أنهم لا يمكن أن يتركوا الشهوة الجنسية التي هي غريزة في الإنسان إلا إذا قطعوا الجهاز التناسلي الذي هو السبب في هذه الشهوة، وهو معنى قوله: (ولو أذن له لاختصينا) أي: لتبتلنا.
ولا يكون التبتل إلا بالاختصاء، أي: قطع الخصيتين أو قطع عروقهما، وهو الوجاء كما تقدم.
وقد روي أيضاً أن جملة من الصحابة منهم: عثمان بن مظعون وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود وغيرهم أرادوا أن يتبتلوا وأن ينقطعوا عن الدنيا، وهموا بالاختصاء، وهموا بأن يحرموا طيبات الدنيا وملذاتها وشهواتها على أنفسهم، وأن ينقطعوا للعبادة وأن يعزموا عليها، فنزل فيهم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:87] فعند ذلك رجعوا إلى ما أحل الله لهم، وتمتعوا بالطيبات، ولم تشغلهم تلك الطيبات وتلك المباحات عن العبادة، بل جمعوا بين اللذات المباحة وجمعوا بين العبادة وقاموا بها خير قيام.
وهكذا حال أتباعهم إلى هذا الزمان، يستطيع المسلم أن يجمع بين العبادة التي كلف بها سواء كانت فرضاً أو نفلاً، ويتناول أيضاً ما أبيح له من الشهوات المباحة ومتع هذه الحياة.