في هذه الأزمنة يكثر تعلل كثير من الشباب إذا عذلهم عاذل عن التأخر في الزواج، فمنهم من يعتذر بالحاجة وبالفقر، وأنه لا يجد مئونة، وهو معذور بقوله: (من استطاع منكم الباءة) ، ولكن نقول له: ابذل السبب وتزوج، والله تعالى يرزق من يشاء بغير حساب، قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] أي: لا تردوه وتقولوا: هذا فقير.
أو: ابن فقير أو ليس له وظيفة.
أو: ليس له عمل.
أو: ليس عنده تجارة أو نحو ذلك.
بل ثقوا بأن الله تعالى سيرزقه وسيوسع عليه كما وعد بذلك، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.
وقد شاهدنا كثيراً كانوا فقراء، ولما تزوجوا ورزقوا أولاداً جاءهم الرزق من كل جهة، يسر الله لهم أسبابه، وحصل لهم الرزق الذي يقوم بكفايتهم، وقد نهى الله تعالى عن قتل الأولاد خشية الفقر، فقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:31] ، فتكفل برزق الأولاد وبرزق الآباء، وهو لا يخلف ما وعده سبحانه، ولكن على الإنسان أن يبذل السبب.
وكذلك الذين يؤخرون الزواج بسبب الحصول على مؤهل كما يقولون، ويقولون: إن الزواج قد يمنع من مواصلة الدراسة أو نحو ذلك فالجواب أن هذا ليس بصحيح، بل في إمكانه أن يدرس ويواصل الدراسة ولو كان متزوجاً، وإذا احتاج مثلاً فله أن يعمل، فإن ذلك أيضاً يخفف عنه مئونة النكاح ونحوه.
وكذلك أيضاً لو تزوج وليس له وظيفة، فالله تعالى ييسر له أسباب الرزق، وهذا بالنسبة إلى الشباب والأزواج.
أما بالنسبة إلى أولياء النساء فلا شك أن كثيراً من النساء الشابات تمتنع من الزواج بسبب الدراسة كما تزعم، وتدعي أنها إذا تزوجت حرمت من مواصلة الدراسة، وتعد ذلك فضيلة لها وشرفاً، فتترك الزواج من الأكفياء الكرام الذين يتقدمون لها ولا تقبلهم، وتقبل على دراستها، وبعد ما تنتهي من الدراسة لا يتقدم لها من هو كفء كريم، وقد تطعن في السن فتبقى محبوسة في دارها لا يأتيها من ترغب فيه ونحو ذلك.
فنقول: لا شك أن هذا خطأ، وأن الأولى بالولي أن يزوج موليته، وأن يمنعها من الدراسة التي تكون سبباً في عنوستها وتأخر زواجها التأخر الكثير.
كذلك أيضاً قد يكون الذي يمنع من النكاح للرجل أو للولي هو المهر؛ لأن كثيراً من الآباء يشترطون مهوراً زائدة، ويكلفون الأزواج شيئاً قد لا يطيقونه، وهذا أيضاً خطأ، فعلى الأولياء أن لا يكلفوا الأزواج ما لا يطيقونه، وأن يقتصروا على ما يسر الله، وأن يقنعوا بالشيء الذي يكون مسمى في النكاح كما سيأتي، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خير النساء أيسرهن مئونة) يعني: أيسرهن تكلفه.
فرغب في أن لا يتكلف الإنسان في النكاح، وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل وقد تزوج فطلب منه الإعانة فقال: (على كم تزوجت؟ فقال: باثني عشر أوقية.
فأنكر عليه وقال: كأنما تنحتون الفضة من هذا الجبل! ليس عندي ما أعينك به) واثنا عشر أوقية شيء قليل، قد تساوي -مثلاً- خمسمائة درهم أو نحوها، فهذا شيء يسير.
وثبت أيضاً أن امرأة تزوجت على نعلين، دفع لها زوجها نعلين فرضيت بذلك، وقيل لها: رضيت من نفسكِ بنعلين؟ فقالت: نعم.
وثبت أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل لما خطب امرأة: (التمس ولو خاتماً من حديد) يعني: لو وجده لجعله مهراً لتلك المرأة.
ولما لم يكن عنده شيء قال: هذا إزاري.
لم يكن عنده إلا إزار قد شد به على عورته، وأراد أن تجعله مهراً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك منه وقال: (ما تصنع بإزارك إن لبسته أنت لم يكن عليها شيء، وإن لبسته هي لم يكن منه عليك شيء) ، وأمره بأن يعلمها آيات من القرآن ليكون ذلك صداقاً لها.
أليس ذلك كله حثاً على أن الإنسان يخفف المهر حتى لا يكلف غيره ولا يقتدي به غيره، وأن الأولياء عليهم أن يخففوا ذلك حتى ييسروا على الشباب، وييسروا على الشابات ولا يصيروا سبباً في حبس بعضهم عن بعض، ويكونوا سبباً في وقوع ما يحصل من المفاسد.