الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [كتاب النكاح: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء.
وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش.
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
التبتل: ترك النكاح، ومنه قيل لمريم: البتول.
] .
تتعلق هذه الأحاديث بالترغيب في النكاح وبأفضليته، وسبب ذلك معروف: أولاً: الله سبحانه وتعالى جعل في البشر شهوة وميلاً إلى هذا النكاح، وجعل ذلك سبباً لبقاء النوع البشري والجنس الإنساني، فجعل في الرجل شهوة تدفعه إلى المرأة، وجعل في المرأة أيضاً شهوة تدفعها إلى الرجل، وجعل بين الزوجين مودةً ورحمة، كما أخبر بذلك في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] .
وكثيراً ما يخبر الله تعالى بأنه خلق الأزواج لنسكن إليها، فأول ما خلق الله حواء لآدم قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1] ، خلق الله زوج آدم من ضلع من أضلاعه ليسكن إليها، فلما وجد منها الأولاد بعد ذلك صاروا يتوالدون فيما بينهم، ثم بعد أن حصلت منهم هذه الولادة حرم نكاح الأخ لأخته بعد أولاد آدم، وأصبح النكاح فيما بينهم مشروعاً، فهذه سنة الله تعالى.
ولا شك -أيضاً- أن الزواج قد يكون ضرورياً وواجباً، وذكر العلماء أن الزواج قد تتعلق به أكثر الأحكام، فيجب تارةً، ويسن تارةً، ويكره تارة، ويحرم تارة، فيقولون: إذا كان الإنسان قوي الشهوة يخشى على نفسه أن يقع في الفاحشة ويقدر على مئونة النكاح فإنه يجب عليه، فإذا لم يفعل فإنه يأثم، وذلك لأنه ترك واجباً، ولأنه إذا لم يفعل فلا بد أن يقع منه الحرام الذي هو الزنا أو مقدمات الزنا، والشيء الذي يوقع في الحرام يجب أن يبتعد عنه.
فمن خاف على نفسه الزنا وكان قادراً قلنا: واجب عليك أن تتزوج، أما من لم يخف على نفسه ولكن عنده قوة وشهوة، وهو مع ذلك يملك نفسه ويقدر على إقناعها فهذا مستحب في حقه، ولكن لا يصل إلى حد الوجوب.
فالحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام؛ فإنه له وجاء) .
فالنداء هنا للشباب، وخصهم لأنهم غالباً أقوى شهوة، ولأن غريزة الشهوة الجنسية فيهم تدفعهم إلى فعل الفاحشة أو إلى مقدماتها، ولأنهم أقل تجربة أو أقل معرفة أو أقل تأثراً، فلأجل ذلك يؤكد على الشباب يؤكد عليهم في الزواج المبكر ويرغبهم فيه.
والشباب يكون ما بين العاشرة إلى الثلاثين سنة، أما ما قبل العاشرة فإنه صبي أو غلام، فإذا بلغ العاشرة سمي شاباً حتى سن الثلاثين، ثم من بعدها يصير كهلاً إلى الستين، ثم يبدأ بالشيخوخة بعد الستين.
ومعلوم أن هذه السن التي بين البلوغ وبين الثلاثين سنة أن الشاب فيها عنده قوة الشهوة وقوة الغلمة والشبق الذي يكون غالباً يدفعه ويندفع به، فلأجل ذلك يؤكد عليه أن يتزوج في هذه السن حتى يحفظ نفسه.
والباءة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي مئونة النكاح، وليست الباءة الشهوة؛ لأنه لو لم يكن له شهوة لم يحتج إلى ما يهونها أو يخففها، بل الباءة هي مئونة النكاح، يعني: من استطاع منكم مئونة النكاح كالمهر والنفقة والسكنى والحاجات التي يتطلبها إذا كان متزوجاً وما أشبه ذلك.
فهذه تسمى (باءة) من المباءة التي هي التبوء، يقال: تبوء منزلاً مباءة.
وباء بكذا بمعنى: حصل عليه.
بمعنى أن من قدر منكم على المهر وعلى التكلفة وعلى النفقة وعلى التأثيث وعلى السكنى فإن عليه أن لا يتأخر عن الزواج، سواء أكانت قدرته من نفسه أم من ولي أمره الذي يتولى أمره كأبيه أو وصيه أو نحو ذلك، فليبادر بالزواج.