يستدل بهذا الحديث بعض الناس على أنه يجوز أن يصوم الإنسان نفلاً وعليه فرض، ويقول: عائشة لا تقضي أيامها إلا في شعبان، ولابد أنها تصوم النوافل، وتصوم -مثلاً- الست من شوال، وتصوم تسع ذي الحجة أو يوم عرفة، وتصوم -مثلاً- يوم عاشوراء أو تاسوعاء، فلابد أنها تتنفل في هذا العام، ومع ذلك يبقى عليها الفرض! والصحيح أنه لا يجوز أن يتنفل قبل أن يؤدي الفرض، فالذي عليه أيام من رمضان يقدمها، ويبدأ بها ولو كان حتى قبل الست من شوال، وحتى ولو فات شوال، فلو أن إنساناً أفطر رمضان كله ثم زال عذره في أول شوال نقول له: صم شهر شوال ما عدا يوم العيد، واجعله عن رمضان، وتسقط عنك الست من شوال، وإن صمتها بعد الانتهاء من أيامك التي عليك فلك الأجر، ولو من ذي القعدة، وذلك لأن هذا قدر ما تستطيعه.
ومثله المرأة، فلو نفست في رمضان كله ونفست في عشرة أيام من شوال ولم تطهر إلا في العاشر من شهر شوال نقول: تصوم بقية شهر شوال عشرين يوماً، وتصوم عشرة أيام من ذي القعدة، ولها أن تصوم ستاً من ذي القعدة أيضاً بعد أن تفصل بين الفرض والنفل بفاصل.
وأما كون الإنسان يكون عليه أيام من رمضان فيصوم الست قبلها، وهي باقية عليه، أو يصوم يوم عرفة وعليه قضاء، أو يصوم عاشوراء وعليه قضاء فهذا لا يصح، ولو صامها بدون أن ينوي أنها أيامه التي عليه فإن ذلك لا يجزيه، فلو أنه صام تسعة أيام من ذي الحجة وعليه تسعة أيام من رمضان، ونيته صيام هذه التسع لا القضاء فالصحيح أن أيامه باقية عليه وأن هذه بنيتها؛ لأنه نواها تطوعاً، فلا يسقط شيء من أيامها التي عليه.
ومن العلماء من يقول: تنقلب إلى أيامه التي أفطر من رمضان.
هكذا قالوا، واستدلوا بالحج، وهو أن من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه انقلبت حجته عن نفسه؛ لقوله في الحديث: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) لذلك الذي كان يلبي عن شبرمة، فالحج صحيح، إلا أنه لا يصح أن يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه، وذلك لأن العمل لغيره، فأما هذان العملان فهما له، فصيام النفل وصيام الفرض كلاهما عن نفسه، فالفرض آكد، والفرض لابد له من نية، والنفل يصح بنية من النهار.
فبذلك نعرف أنه لا يتنفل حتى يقضي أيام فرضه، وإذا تنفل بدون نية الفرض وقعت عن النفل ولم تقع عن الفرض، فهذا مدلول هذا الحديث.