قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة، والإمام يخطب، فقد لغوت) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) .
وعن سلمة بن الأكوع -وكان من أصحاب الشجرة- رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به.
وفي لفظ: كنا نجمِّع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر: {الم * تَنزِيلُ} [السجدة:1-2] السجدة، وفي الثانية: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [الإنسان:1] ) .
هذه الأحاديث كلها تتعلق بصلاة الجمعة، ومنها ما يتعلق بالمأموم، ومنها ما يتعلق بالوقت والزمان، ومنها ما يتعلق بيوم الجمعة وما يكون فيه.
فالحديث الأول يتعلق بالمأمومين في حالة الخطبة، والخطبتان اللتان للجمعة شُرعتا للعظة وللتذكير وللتعليم، والمأمومون الذين يحضرون جاءوا للاستفادة والتعليم، فيلزمهم أن يكونوا متعلمين، وأن يستفيدوا من هذه الخطب، فينصتوا لذلك، فإذا لم ينصتوا لم يستفيدوا، ومع ذلك يحصلون على ضد ذلك وهو نقصان أجرهم، فالمأموم مأمور بأن ينصت للخطبة ويستمع لها، ويطيع لما يقال ولما يلقى، ومنهي عن أن يتكلم أو يتحرك أو يضطرب أو يرفع صوته، ورد في الحديث: (من مس الحصى فقد لغى) ؛ لأن حركته بتسوية الأرض أو تسوية الحصى قد تشوش عليه، وقد تلفت الأنظار نحوه، فيكون ذلك نقص في الصلاة.
كذلك أيضاً الكلام، أدنى كلمة في الخطبة ممنوعة كالحديث بكلمة (أنصت) ، فإذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب؛ فقد لغوت أي: أتيت باللغو، وقد ورد أن اللغو يبطل الصلاة أو ينقصها، وفي بعض الروايات: (ومن لغى فلا جمعة له) وهذا على وجه التهديد، وهو زجر وتهديد عن اللغو في حالة الخطبة.
فيؤمر المصلي في حالة الخطبة أن ينصت للخطيب وأن يصيخ له، وأن يرعي سمعه لما يقوله الخطيب، وأن يترك الحركة والالتفات والاضطراب ونحو ذلك حتى لا تبطل صلاته.
وكلمة (أنصت) قد تكون مفيدة، وهي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ففيها نهي عن منكر تراه من إنسان يتكلم، فتقول له: أنصت، ومع ذلك أخبر في هذا الحديث بأن الذي يقولها يعتبر لاغياً: (فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له) .
قد يُستثنى من ذلك: ما إذا احتيج إلى أن يتكلم مع الإمام، فقد ثبت (أن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فوقف وناداه طالباً له أن يستسقى) كما ي الحديث المشهور، ويأتينا في الاستسقاء إن شاء الله.
كذلك أيضاً كلام الإمام مع غيره، وجوابه له، وقد تقدم أنه لما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال له: (أصليت؟ قال: لا.
قال: قم فاركع ركعتين) فهنا الكلام من الخطيب لذلك المأموم، والمأموم أجابه بقوله: (لا) .
ثم أمره بقوله: (صلِّ) ، فيجوز من الإمام لأحد الحاضرين، ويجيبه إذا سأله.
فأما من مأموم لمأموم أو من مستمع لمستمع فلا يجوز؛ لكن إذا رأيت من يعبث فأشر إليه إشارة، والإشارة تكفي حتى لا تلفت أنظاراً نحوك، أو ارمقه وانظر إليه ليدل على إنكارك له ونحو ذلك.
وقد يُتسامح في بعض الحركات اليسيرة، مثل رفع الأيدي في الدعاء عندما يدعو الخطيب ويرفع يديه، فالمأمومون يرفعون أيديهم للتأمين على دعائه، هذا مستثنىً وفيه فائدة، فإنه من أسباب قبول الدعاء.
كذلك أيضاً: بعض الإخوة يسأل عن استعمال السواك في حالة خطبة الخطيب؟ فنقول: نرى أنه لا يَشْغَلُ، إذا رأى أنه يتسوك والإمام يخطب، فهذه حركة يسيرة لا تَشْغَل البالَ ولا تلفت الأنظار، وليست شبيهةً بتسوية الحصى.
كذلك كل مَن رأيتَه -مثلاً- يتخطى رقاب الناس فلك أن تشير إليه، والنبي عليه السلام رأى رجلاً يتخطى الرقاب من صف إلى صف، فقال له: (اجلس فقد آذيت) .
وفي رواية: (آذيت وآنيت) فإذا رأيته وأشرت إليه بأنه قد آذى هؤلاء المصلين الذين كونه يتخطى رقابهم، فمثل هذا يكفي فيه الإشارة إليه دون الكلام أو إمساكه ورده حتى لا يتأذى به المصلون؛ لأنه كلما تخطى صفاً التفتوا إليه، وشوش عليهم، وتحركوا لأجل أن يفرِّجوا له فرجةً، وليس له ذلك إلا إذا رأى فرجة في صف من الصفوف قد أخلوا بها، فله والحال هذه أن يتخطاهم حتى يسد تلك الفرجة، وما ذاك إلا لأنهم هم الذين فرطوا وأسقطوا حقهم بترك هذه الفرجة في أثناء الصف.
كذلك يقع كثيراً -لا سيما في بعض الأماكن الجامعة حتى في الحرمين- تخطي أولئك الذين يتسولون، بحيث إنهم يؤذون ويتكلمون ويسألون ويطلبون والإمام يخطب، فمثل هؤلاء: يُمنعون؛ لأنه إذا مُنع من كلمة (أنصت) والإمام يخطب ومن حركة تسوية الحصى فكيف يمكنون من كونهم يسيرون بين الصفوف، وكونهم يتخطون الرقاب، ويخرقون الصفوف، ويتكلمون ويشغلون كثيراً من الذين ينظرون إليهم.
فعلى الأئمة أن يأمروا بإجلاسهم ومنعهم إذا فعلوا ذلك، وعلى المأمومين إذا رأوهم يتسولون أن يمسكوهم ويقبضوهم ويؤخروهم حتى لا يشوشوا على المأمومين.
وبكل حال فالفائدة من ذلك هي: حصول الإنصات والاستماع، وترك ما يشوش على المصلي.