الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذكر أسباب فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد: السبب الأول: الخروج من المنزل بنية صالحة، وهو قوله: (لا يخرجه - وفي رواية: لا ينهزه- إلا الصلاة) يعني: إنما حركه إلى المسجد أداء هذه الصلاة، فهذا حسن النية، ما نهزه ولا دفعه ولا أخرجه إلى المسجد إلا الصلاة، ترك أشياء كان يشتغل بها، وقد يكون البيت دافئاً والطريق بارداً أو حاراً مثلاً، قد يكون مع أهله فيترك الأنس بأهله، قد يكون على فراش وطيء فيترك الفراش الوطيء ويذهب إلى المسجد محبة للصلاة، وقد يكون المسجد بعيداً فيصبر على البعد والمشقة، وهذا لا شك أنه من الأسباب التي تضاعف بها الجماعة.
السبب الثاني: الخطوات، فالخطوات مكتوبة مع حسن النية، وفي الحديث: (لم يخطُ خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة) ، ومن أجل هذا استحب بعض العلماء أنك إذا ذهبت إلى المسجد تقارب الخطى؛ حتى تكثر، فلا تسرع ولا تمد الخطوات بل تمشي بتؤدة وتأن، وقال في الحديث: (إذا سمعتم النداء للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة والوقار) فأمر المتوجه إلى المسجد بالمشي وألا يركب، ولا يسرع في مسيره، ولا يركض برجله، بل يمشي بتؤدة وبسكينة وبوقار.
ولا شك أن هذا مما يدل على احترامه لهذه الصلاة وعظمتها في قلبه، وما ذاك إلا أنه يأتي إلى عبادة يجد فيها اللذة، ويجد فيها الانبساط والسرور والبهجة، يأتي إلى عبادة يجد فيها أنه يريح قلبه ويريح بدنه كما في الحديث: (أرحنا بالصلاة) وقوله: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) فإذا كان كذلك أتى إليها بطمأنينة وبسكينة وبهيئة تدل على الاحترام، وتدل على المحبة والهيبة لهذه العبادة.
وقد وردت أدلة كثيرة في الخطوات، منها قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12] يعني: ونكتب آثارهم ذهاباً وإياباً، وورد أيضاً في حديث جابر قال: (كان رجل منزله بعيد لا أعلم أحداً أبعد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء وفي الشتاء، فقال: ما أحب أن بيتي إلى جانب المسجد، إني أريد أن يكتب لي مجيئي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد كتب لك ذلك كله) فهذا يأتي راجلاً من مكان بعيد ويعود راجلاً، وامتنع أن يركب حماراً، واحتسب خطواته، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنك تكتب لك خطواتك إذا أتيت إلى المسجد، وتكتب لك خطواتك إذا رجعت إلى منزلك؛ لأنك أتيت إلى عبادة ورجعت فارغاً من عبادة.
ولما احتقر بعض الصحابة أعمالهم بالنسبة إلى أعمال الأغنياء؛ أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمال تقوم مقام العتق وتقوم مقام الصدقة والتبرعات ونحوها، فقال لهم: (إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل خطوة إلى المسجد صدقة) ، فجعل كل خطوة صدقة، فهذه أدلة تدل على أن خطواتك إلى المسجد تكتب حسنات، وهذا مما تضاعف به صلاتك جماعة على صلاتك وحدك.
السبب الثالث: أنك إذا صليت وبقيت في مصلاك بعدما تفرغ مشتغلاً بالذكر حظيت بشيء آخر وهو دعاء الملائكة، فالملائكة تصلي عليك وتقول: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وصلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ودعاء الملائكة واستغفارهم خاص بأهل الإيمان، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7] إذاً: إذا استغفرت لك الملائكة بقولهم: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فأنت من المؤمنين بنص هذه الآية: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7] ، فهذا سبب.
السبب الرابع: أن المصلي في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، فلو تقدم قبل الأذان بساعة أو نحوها وجلس ينتظر الصلاة فهو في حكم المصلي، وكذلك إذا أتى بعد الأذان واشتغل بعبادة فإنه يكتب بأنه يصلي حتى في طريقه، وورد في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أتى أحدكم إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة) ، فجعله في حكم المصلي مادام أنه ما جاء به ولا دفع به إلا الصلاة، فهذا دليل واضح على أن هذه الأعمال تكون سبباً في مضاعفة العمل من واحد إلى خمس وعشرين ضعفاً.
هذه هي أسباب مضاعفة صلاة الجماعة.