الحكمة في أن الحائض تترك الصلاة وقت حيضها أنها نجسة وحدثها مستمر، ويشق عليها أن تتوضأ كل حين، فلذلك عفي عنها؛ لاستمرار هذا الحدث معها ولنجاسة بدنها، فلم يجز لها أن تفعل الصلاة، وكذلك الصوم، بل تفطر في رمضان ولو لم يكن عليها مشقة؛ وذلك لأن هذا الخارج متنجس، فينافي العبادة، والصيام عبادة.
وهذا الخارج وإن لم يكن مما يتغذى به، لكنه مما يضعف البدن وينهكه، لذلك أمرت بأن تفطر في رمضان، ولكن عليها أن تحصي أيامها التي أفطرتها ثم تقضيها بعد رمضان.
وأما الصلوات التي تركتها فلا قضاء عليها؛ وسبب ذلك أن إفطارها يعتبر كإفطار المريض وإفطار المسافر وأصحاب الأعذار، ومعلوم أن أصحاب الأعذار يفطرون ويحصون أيامهم ويقضون؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] ، فكذلك الحائض تقضي عدة أيامها التي أفطرتها من أيام أخر، وليس في قضاء الصوم صعوبة ولا مشقة؛ لأنها أيام قليلة وليس هناك صيام بعد ذلك، فالصيام إنما هو شهر واحد، وليس في شهر شوال صيام إلا التطوع، وكذلك الأشهر بعده، فلا مشقة في قضاء أيام الصوم.
أما الصلاة فإنها تتكرر وفي قضائها شيء من الصعوبة؛ لأنها قد تكثر، فالحائض قد تترك الصلاة عشرة أيام، حيث إن الحيض قد يبلغ بإحداهن عشرة أيام وربما اثني عشر يوماً أو خمسة عشر يوماً متوالية، فيكون نصف دهرها حيضاً، فإذا ألزمناها بأن تقضي صلاة خمسة عشر يوماً شق ذلك عليها، وكذلك صلاة أربعين يوماً في النفاس فمتى تقضيها؟! مع ما قد يعتريها من الأشغال والأمراض ونحو ذلك، فمن رحمة الله أن أسقط عنها قضاء الصلوات أيام حيضها ونفاسها، واكتفى بصلاة الأيام الأخرى، فإنها إذا طهرت صلت كما يصلي غيرها.
فالصلاة متكررة، يعني: كونها تركت صلاة تسعة أيام أو سبعة أو خمسة ثم طهرت، فاليوم الذي يلي الحيض تصلي فيه خمس صلوات، وهكذا كل يوم تصلي فيه خمس صلوات، مع ما يتيسر لها من النوافل، فإذاً لا مشقة في قضاء الصوم بخلاف قضاء الصلاة فإن فيه مشقة، والمشقة تستدعي التيسير والتسهيل، وبهذا علل العلماء، لكن عائشة رضي الله عنها لم تعلل وإنما اقتصرت على الدليل حيث قالت: هكذا كان يصيبنا في العهد النبوي ولا نؤمر إلا بقضاء الصوم دون الصلاة.
والعلماء رحمهم الله ذكروا إلى جانب هذا الدليل التعليل؛ لأن التعليل في شيء من القناعة، ولأن الإنسان إذا سمع التعليل للحكم وللمسألة عرف الحكمة من مشروعية ذلك، وأن الشريعة ما أمرت بشيء إلا وفيه مصلحة ومنفعة محققة، هكذا بين العلماء.
من ذلك نعرف أن أحكام الحيض والاستحاضة قد فصلت وذكرت في الكتاب والسنة، منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل، ولكن العلماء رحمهم الله استنبطوا من ذلك جميع المسائل التي يمكن أن تقع للنساء وذكروا أحكامها في أبواب الفقه، وبينوا للناس ما تحتاج إليه المرأة في أيام حيضها بحيث لا يقع إشكال إلا ويوجد جوابه في تلك الكتب، رحمهم الله وعفا عنهم!