وأما الحديث الثالث الذي فيه قضاء الصوم دون قضاء الصلاة، فـ معاذة هذه أشكل عليها أن كلا الأمرين واجب، فالصلاة فرض والصوم فرض، ومع ذلك فإن الحائض تفطر في رمضان وتقضي أيامها التي أفطرتها وتترك جملة من الصلوات في الحيض وفي النفاس، وتبقى على هذه الحالة لا تصلي مدة طويلة، ومع ذلك لا تقضي شيئاً من هذه الصلوات.
وإنما أشكل عليها ذلك لأن الصلاة أهم الأركان بعد التوحيد، بل هي عمود الدين، فقالت: لماذا لا تقضي الصلاة كما تقضي الصوم؟ ولما سألت عن ذلك، قالت لها عائشة: (أحرورية أنت؟ فقالت: لست بحرورية ولكني أسأل) .
الحروريون من الخوارج، وقد كانوا يلزمون الحائض بأن تقضي الصلاة بعد طهرها، وذلك من تشددهم، والخوارج هم الذين خرجوا في عهد علي رضي الله عنه في سنة ست وثلاثين، اجتمع منهم جموع كثيرة بلغت نحو اثني عشر ألفاً ونزلوا في قرية من العراق اسمها حروراء، فينسب إليها كل خارجي وإن لم يكن من أهل حروراء.
لم تذكر عائشة العلة من قضاء الصوم دون الصلاة، لكنها اقتصرت على الدليل وقالت: (كان يصيبنا ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: الحيض والنفاس- فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ، والذي إليه الأمر هو النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه الذي أخبر بأن المرأة عليها تكاليف، وأن بعض تلك التكاليف تتركها وقت حيضها، وأن منها ما يقضى ومنها ما لا يقضى.