الحض على عتق الرقبة المؤمنة من خصائص الشريعة الإسلامية

يتشوف الشرع إلى تحرير الرقاب، وإزالة الرق عنها، سيما بعد أن تؤمن وتدخل في الإيمان، ولأجل ذلك اشترط الله في عتق الرقبة من كفارة القتل أن تكون الرقبة مؤمنة، قال سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنَاً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] واشترط الله ذلك تشجيعاً للمؤمن عندما اختار الإيمان ودخل فيه فإن الله تعالى رغب في إعتاقه وإزالة الرق عنه، فكفارة القتل نص الله فيها على أنها لابد أن تكون مؤمنة، وأُلحق بها على وجه القياس كفارة الظهار وكفارة الأيمان وكفارة الوطء في نهار رمضان، حيث يشترط العلماء فيها أن تكون الرقبة مؤمنة.

والحاصل: أن هذا ونحوه دليل على أن الشرع كما أباح الرق فإنه جعل هناك أسباباً كثيرة ترغب في تحرير هذه الرقبة التي وقع عليها الرق، حتى تتفرغ لعبادة الله، وتقوم بأداء حقوقه.

وكذلك رغَّب المملوك في العمل لله، والعمل لسيده، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يؤتَون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بكتابه ثم آمن بهذا القرآن فإنه يؤتى أجره مرتين، ومملوك أدى حق الله وحق سيده -حق الله هو العبادات، وحق سيده هو الخدمة- فإنه يؤتى أجره مرتين، ورجل كان له جارية فعلمها وأدبها ثم أعتقها وتزوجها يؤتى أجره مرتين) .

وهذا ونحوه دليل على أن الإسلام لما أباح الرق أمر بمعاملة الأرقاء المعاملة الحسنة، ونهى عن معاملتهم بالشدة والتضييق والأذى، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هؤلاء المماليك إخوان لنا، وفي حديث أبي ذر أنه سابَّ رجلاً فعيَّره بأمه التي هي مملوكة وقال: يا ابن السوداء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم خَوَلُكم -يعني: خدم لكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم) فكان بعد ذلك أبو ذر رضي الله عنه يستوي في الكسوة هو وغلامه، فإذا لبس حلة ألبس غلامه حلة، وإذا لبس رداءً ألبس غلامه مثله، وكان يُجلسه إلى جانبه إذا أكل فيأكل هو وإياه سواءً، وما ذاك إلا حرصاً منه على العمل بهذا الحديث.

ولما رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في العتق كان من جملة ما رغَّب فيه كون الولاء لذلك المعتق لقوله: (الولاء لمن أعتق) وأخبر بأن ذلك العتيق يُلحق بقبيلة المعتِق فيصير منهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مولى القوم منهم) .

وقوله: (الولاء لمن أعتق) فيه ترغيب للسيد في أن يعتق غلامه؛ لأنه إذا عرف بأنه إذا أعتقه أصبح ولياً له، وأصبح كأنه من قبيلته، وأصبح معدوداً في أسرته وفي قبيلته، كان ذلك مما يرغِّبه في إعتاقه له.

ولهذا يعرف العلماء الولاء فيقولون: الولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على عتيقه بالعتق، فيرثه هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم، ولا مع غيرهم.

ويعرف آخرون الولاء بأنه: لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أي: أن مولاك الذي اعتقته يصير مثل ابن عمك، فيواليك وينصرك ويؤازرك ويقوم معك فكأنه أحد أقاربك، ويصبح من الأسرة ومن القبيلة التي أنت منها، وذلك لأنك مننتَ عليه بهذا العتق، فيصبح كأنه واحد من قبيلتك، هذا معنى كون الولاء لمن أعتق.

وبكل حال فإن هذه الترغيبات دليل على أن الشرع جاء بكل ما يوافق العقول وما يناسبها، وأنه ليس فيه ما يرميه به أعداؤه من أنه يمكن الإنسان من بيع أخيه الإنسان كما تباع البهيمة، ومن تحكمه فيه، ونحو ذلك مما يقولونه ليشوهوا به صورة الإسلام ما دام أن هذا أصل الرق وهذا منتهاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015