هذا الحديث دليل على جواز بيع المدبر، فإن هذا الرجل من الأنصار ليس له مال إلا هذا العبد، وكان قد أعتقه عن دبر، وذات يوم احتاج فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا بالغلام وعرضه للبيع فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحَّام بثمانمائة درهم، فدفعها إلى ذلك الأنصاري وقال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) يعني: أنت أحق بأن يُتَصَدَّق عليك، فانتفع بهذا المال، وأنفق منه على من تحت يدك من الفقراء ونحوهم من الأولاد المحتاجين، فإنهم أولى بأن تنفق عليهم.
وبهذا استدلوا على أن التدبير لا يخرج العبد من الملكية حيث يجوز بيعه، وإذا باعه بطل التدبير، والذي يشتريه يتملكه؛ لأنه اشتراه على أنه عبد، فيبقى مملوكاً له، ولا يعتق لا بموت الأول ولا بموت الثاني، أي: لا بموت المدبر الذي دبره، ولا بموت الذي اشتراه؛ لأنه انتقل من ملك ذلك الذي دبره، فزالت حريته المعلقة وبقي رقيقاً.
لكن لو قُدِّر أن الذي دبره اشتراه مرة ثانية أو وُهب له فعادت إليه ملكيته، فإن صفة التدبير تعود إليه، فلو أن هذا الأنصاري أخذ ثمنه ثمانمائة درهم وأنفق منها ما أنفق، ثم وجد عبده يُباع فاشتراه بمائة أو بمائتين فإنه يعود إليه التدبير، بمعنى: أنه إذا مات الأنصاري أعتق عبده، وكذلك لو أن نعيم بن النحام وهبه للأنصاري فقال: وهبتك هذا العبد الذي اشتريته منك -أو اشتريته بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم- ورددته عليك، فإنه يعود إليه وصف التدبير بحيث إذا مات الأنصاري أعتق العبد من رأس المال.