أخذ من هاتين القصتين أن من قتل أحداً من المشركين فإنه يستحق سلبه، ولا يدخل ذلك في الغنيمة، بل يكون ذلك له تشجيعاً، حيث إنه يصمد أمام المشركين، ويعرض نفسه للقتل، ويستعد للقتال، حتى إن بعض الصحابة قد قتل عدداً من المشركين، ذكروا أن أبا طلحة الأنصاري قتل في غزوة حنين نحو عشرين قتيلاً، وانفرد بأسلابهم تشجيعاً له، فيأخذ القاتل سلب القتيل، ويدخل في السلب سلاحه الذي يقاتل به، كسيف أو رمح أو نبل أو قوس أو خنجر، وغير ذلك، ويدخل في السلب درعه إذا كان عليه درع قد ارتداه ليقي به السلاح، ويدخل في ذلك الخوذة، وهي: المجن الذي يلبس على الرأس، ويدخل في ذلك بقية الألبسة التي يلبسها كجبة أو قميص أو ما أشبه ذلك، وإذا كان معه شيء من النفقة دخل أيضاً، فإذا وجدوا معه نقوداً أو نحوها فإنها تدخل في سلبه، فيأخذ القاتل ذلك كله تشجيعاً له.
وكذلك أيضاً دابته التي يقاتل عليها، فهي على الصحيح له، فإذا كان الكافر يقاتل على فرس أو على ناقة أو نحوها فإنه يأخذه ذلك المسلم الذي قتله من باب التشجيع له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك تشجيعاً لمن يقتل مشركاً في المعركة، أما إذا قتله في غير المعركة فإن ذلك يكون في الأصل من الغنيمة التي تقسم على الغانمين.
أما بقية المغنم فإن الكفار إذا انهزموا وتركوا أمتعتهم وأزودتهم، وتركوا مكانهم الذي كانوا يجتمعون فيه، وتركوا ما فيه فإن هذا من الغنيمة التي تُغنم، وكذلك أيضاً إذا فتحوا بلاداً، وأخذوا ما فيها من الأموال، فإن هذه من الغنائم التي أباحها الله تعالى لهذه الأمة في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال:69] فأباح الله لهذه الأمة غنائم المشركين، فما يأخذونه من الغنائم التي ينهزم عنها المشركون ويتركونها فإنها تُقسم بين الغانمين، لكن بعدما يخرج منها الخمس الذي ذكره الله بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] يعني: أن الخمس يقسم بين هؤلاء، وأربعة الأخماس الباقية تقسم على الذين اشتركوا في الوقعة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قسم يعطي من قاتل على فرس ثلاثة أسهم -سهماً له وسهمين لفرسه-، وأما الذي يقاتل على قدميه فليس له إلا سهم واحد، سهم للراجل وثلاثة أسهم للفارس، وما ذاك إلا أن الفارس أشد نكاية؛ حيث إنه يخوض المعركة، ويجول بفرسه، ويصمد أمام المشركين، ويدرك المنهزمين، ويجول فيهم، ويكثر فعله، ويكثر تأثيره في إضعاف قوة المشركين، فكان من تشجيعه أن أُعطي ثلاثة أسهم، ومع ذلك فإن الأصل أن المسلمين ما كانوا يقاتلون لأجل السلب، ولا يقاتلون لأجل المغنم، ولكنهم كانوا يقاتلون لوجه الله، يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، يقاتلون المشركين الذين يصدون عن سبيل الله، والذين يقاتلون أولياء الله، والذين يعادون المسلمين، وينصبون لهم العداوة، فالمسلمون إذا قاتلوهم يقصدون بذلك إذلال الكفر، وإهانة الكافرين، وتحقيرهم، وإعزاز الدين، ونصرة الله ورسوله، كما أمرهم الله بقوله: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} [الصف:14] ، وقوله: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7] هذه هي نيتهم التي يثيبهم الله تعالى عليها، ومع ذلك فلهم هذا الأجر.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تضمن الله لمن خرج في سبيلي لا يخرجه إلا قتال في سبيلي إن مات أن أدخله الجنة، أو أرده إلى بلده بما نال من أجر أو غنيمة) ، فبشره أنه إذا قتل فإن له الجنة، وإذا رجع فإن له الأجر أو يحوز مع الأجر المغنم الذي يغنمه المسلمون من بلاد المشركين، وهذا من الترغيب في الجهاد، والترغيب فيه ترغيب دنيوي وأخروي، ولكن ينبغي أن يكون الترغيب الأخروي هو المقصد الأعلى.