جاءت أحاديث عن رافع بن خديج وغيره في منع المزارعة منعاً باتاً، يعني في حكمها المخابرة والمحاقلة، وجاءت أحاديث تدل على جواز المخابرة والمزارعة والمحاقلة، وفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- بمعنى أنه عامل أهل خيبر بجزء، فتنزل الأحاديث التي تمنع هذه المعاملات على إيش؟ المزارعة تدفع الزرع لمن يعمل فيه بأجرة بدراهم أو دنانير، فيه إشكال، وإلا ما فيه إشكال؟ لا إشكال فيه، هذا أجير، تدفع هذا الزرع لمن يسقيه أو تدفع هذه الأرض لمن يزرعها بجزء منها، لا يخلو هذا الجزء إما أن يكون مشاعاً: للعامل الربع، للعامل الثلث، للعامل النصف، له أكثر، له أقل مشاع، ومتى يعرف؟ يعرف عند النهاية، نهاية الأمر، إذا جُذ النخل، حصد الزرع عرف نصيب العامل، وعرف نصيب صاحب الأرض، هذا لا إشكال فيه، إذا كان الجزء مشاعاً، لكن إذا كان الجزء معلوماً دفعت الأرض لمن يزرعها على النصف وقلت للعامل: لي النصف الشمالي ولك النصف الجنوبي يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، لا يجوز ذلك، وعلى هذا تتنزل أحاديث المنع، لماذا؟ لأنه قد .. ، نعم لأنه قد ينبت الزرع وينمو حتى يتم في نصيب العامل، ويموت الزرع في نصيب صاحب الأرض، فيتضرر صاحب الأرض، أو العكس فيتضرر العامل، وعرفنا مراراً أن الشرع جاء بالتوازن، وجلب المصالح للجميع، ولا يكون أحد يستفيد على حساب غيره، فعلى هذا إذا كانت بهذه الصورة لك النصف الشمالي ولي النصف الجنوبي نقول: لا، وما يدريك لعله لا تنبت ينبت هذا الجزء الذي خصصته للعامل، فبما تستحل عمل أخيك؟ ولعله ينبت الجزء الذي للعامل دون الجزء الذي لصاحب الأرض فبما يستحل العامل نتاج أرض أخيه، وتقدم لنا: ((أرأيت إذا منع الله الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه)) وهذه يمكن أن تطرد في جميع الصور.
"نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة والمحاقلة وعن المزابنة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وألا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا".