لا يمكن لأنها قضية واحدة، نعم ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- حج قبل ذلك، لا على الصفة المشروحة في الحج الإسلامي، إنما حج تعظيماً للبيت والمشاعر على عادة العرب، وجاء في الصحيح أن جبير بن مطعم رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفات وقد أضل بعيره، يبحث عن بعير -جبير بن مطعم لم يحج- فضلَّ بعيره فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- قد وقف مع الناس بعرفات، استغرب جبير بن مطعم كيف يقف وهو من الحمس بعرفات، والحمس لا يخرجون عن الحرم، وعرفات من الحل، هذه حجة سابقة قبل الأمر بالحج، وقبل فرض الحج، وهذه في الصحيح، في البخاري.
المقصود أن الكلام كله في حجة الوداع، الحجة الوحيدة الذي حجها النبي -عليه الصلاة والسلام- ومثل ما أشرنا ثبت عنهم -عن الصحابة- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعاً كما هنا، وثبت عنهم أيضاً أنه حج قارناً، وثبت عنهم أيضاً أنه أفرد الحج.
والتوفيق بين هذه الروايات -كما قال ابن القيم وغيره-: "من قال تمتع فالمراد به التمتع بمعناه العام، يعني أنه ترفه بترك أحد السفرين فأتى بالنسكين في سفرة واحدة، ومن قال أنه حج قارناً وهم الأكثر فكلامه طابق الواقع، فقد أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسكين معاً، لم يفصل أحدهما عن الآخر لماذا؟ لأنه ساق الهدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله -على ما سيأتي إن شاء الله تعالى-، من قال حج مفرداً نظر إلى الصورة، صورة حجه -عليه الصلاة والسلام- هي صورة حج المفرد، ولذا القول المرجح عند أهل العلم أن القارن لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد كالمفرد.
منهم من يقول: أنه أهلَّ مفرداً في أول الأمر، ثم أتاه الآتي فقال له: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: لبيك، إيش؟ .. نعم، ما يفيد القران، فبهذا تتفق وتأتلف النصوص.
يقول ابن عمر -رضي الله عنهما- تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [(196) سورة البقرة]، الرسول -عليه الصلاة والسلام- تمتع بالعمرة إلى الحج، والمراد بالتمتع هنا كالمراد به في الآية، المعنى الأعم للتمتع بحيث يشمل القران مع التمتع.