يعني ينص عليه زيادة في تعظيم البيت، فيكون القتل فيه أعظم من القتل في غيرها، وهكذا سائر الذنوب والمعاصي تعظم بمكة، وهذا الأمر جعل بعض الصحابة والتابعين ينتقلون من مكة إلى غيرها، ابن عباس انتقل إلى الطائف، ويذكر عنه أنه لهذا السبب، وتفرق الصحابة والتابعون في الأمصار وتركوا مكة والمدينة مع المضاعفة العظيمة للحسنات لماذا؟
قد يكون الباعث لبعضهم هذا -وهو تعظيم الذنوب- على أن الباعث لأكثرهم نشر الدين، ومعلوم أن النفع المتعدي أفضل من النفع اللازم، وإلا قد يقول قائل: كيف يترك الناس مكة والصلاة بمائة ألف صلاة ويسكن البصرة والكوفة ومصر والشام، وهكذا من جاء بعدهم تفرقوا في الأمصار، والآن أهل العلم في كل مكان لا تجد هذه المضاعفة تنهزهم إلى المجاورة لمكة وترك الأمصار الأخرى، لما هم عليه من نفع متعدي، وهذا أعظم أجراً لمن تأهل لذلك وصلحت نيته.
فقال: ((اقتلوه)): حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كداء، -بالفتح والمد- من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى، بالضم كُداء كقُرى، هناك موضع آخر يقال له كُديّ، كثني.
يدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها: ولذا يقول الفقهاء: يسن دخول مكة من أعلاها -من كَداء- بالفتح- والخروج من أسفلها -من كُداء- بالضم- ويقولون أيضاً: افتح وادخل، واضمم واخرج، تسهيلاً للضبط؛ لأن الضبطين مشتبهان في الرسم، وأهل العلم يضبطون الكلمات بالشكل والحرف والضد والنظير، وغير ذلك.
حرام بن عثمان ضد الحلال، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا لهم طرق في الضبط، وهنا يقولون: افتح وادخل افتح الدخول مناسب للفتح، والمراد بذلك فتح الكاف ما هو بفتح باب، واضمم الكاف من كُداء كقُرى واخرج، يعني عند الخروج.
نأتي إلى هذه المسألة وهي: مشروعية الدخول من أعلى مكة والخروج من أسفلها: