"ائذن لي أيها الأمير": أبو شريح يخاطب هذا الأمير عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ويبين له الحق -بحضور غيرهما- ما الدليل على أن عندهم من حضر غيرهما؟ أنه نُقل الخبر، لكن بأدب وعلى هذا لا مانع، بل قد يتعين الإنكار على المخالف مهما كانت منزلته ومرتبته لكن بالأسلوب المناسب الذي يحقق المصلحة ولا تترتب عليه مفسدة، ولذا قال: ائذن لي، استأذن أولاً، أيها الأمير، وجاء باللقب المحدد عنده أن أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا مقتضى حديث البيعة، حديث عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، هذا أمر لا بد منه، نفس على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، لكن هل يمنع هذا من قول الحق؟، لا يمنع من قول الحق على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، فعجز الحديث لا يخالف أوله، هذا لا يخالف السمع والطاعة، بل هو محض النصيحة، عين النصيحة لولي الأمر.

ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح يعني من الغد.

فسمعته أذناي: يوضح أنه متأكد من سماعه من نبي الله -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وأنه حفظه وضبطه كما سمعه، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي، كل هذه مؤكدات.

حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه هذا فيه مشروعية البداءة بالحمد والثناء على الله -عز وجل- في الخطب.

ثم قال: ((إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمها الناس)): وأما ما جاء من أن إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حرم مكة إنما هو بلغ تحريم الله -عز وجل- مكة إلى الناس، فهو مبلغ عن الله، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ولم يحرمها الناس)).

((فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دم)): مكة حرمها الله -عز وجل- ومقتضى هذا التحريم أن تعظم، وإنما حرمت مكة من أجل البيت، أول بيت وضع للناس، الذي أمرنا بتطهيره: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [(125) سورة البقرة] إلى آخره والتطهير المقصود به: من النجاسات الحسية والمعنوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015