"كنت نذرت في الجاهلية" فنذر الكافر إذا نذر الكافر قربة يلزمه الوفاء بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أوف بنذرك)) أمره بذلك، وهل يؤمر بالوفاء به حال كفره؟ هو عبادة، لو نذر كافر يصلي قال له: أوف بنذرك؟ لا؛ لأنه لا تصحّ منه حال كفره؛ لكن يؤمر بها إذا أسلم، وتحقق شرطها، ومثله الاعتكاف، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، والليل ليس محلاً للصيام، ويستدل بهذا من لم يشترط الصيام في الاعتكاف، يقول: يعتكف ولو لم يصحبه صيام، وفي روايةٍ: "يوماً في المسجد الحرام" والذين يشترطون الصيام يجيبون عن حديث عمر -رضي الله عنه- اعتكف ليلة بيومها، بدليل أنه قال في الرواية الأخرى: "يوماً في المسجد الحرام" قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلةً؛ لكن ذكره بعضهم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، في المسجد الحرام لا بد أن يفي بنذره في المسجد الحرام، لو نذر أن يعتكف في المسجد النبوي لزمه أن يعتكف في المسجد النبوي أو المسجد الحرام، من نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، لزمه أن يعتكف في المسجد الأقصى، وإن اعتكف فيما هو أفضل منه أجزأه؛ لكن لا يعتكف فيما دونه، ينذر للمسجد الحرام ثم يعتكف في المسجد النبوي لا، ينذر الاعتكاف في المسجد النبوي ثم يعتكف في مسجد الأمصار والآفاق، لا، ما يكفي، لا بد أن يفي بنذره من أهل العلم من يرى أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد الثلاثة؛ لكن عموم قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] يشمل جميع المساجد، وأما ما جاء في المساجد الثلاثة فرده ابن مسعود -رضي الله عنه-، ونسب الصحابي إلى الوهم، على كل حال الاعتكاف عند عامة أهل العلم يجوز في سائر المساجد التي يجمع فيها، يعني تصلى فيها صلاة الجماعة.