عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، الوصال: أن يقرن بين يومين لا يفطر بينهما، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل؟ فيه مراجعة للقدوة ليتأكدون هل المقصود حقيقة النهي؛ لأنه يخالف قوله فعله -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: إنك تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعَم وأسقَى)) وفي روايةٍ: ((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) (أطعَم وأسقَى) هل هذا الإطعام حقيقي أو معنوي؟ لأنه لو كان حقيقياً انتفى الوصال، ما صار في وصال لو كان يأكل حقيقة ويشرب؛ لكن معنوي كيف معنوي؟ غذاء معنوي؟ وهل للأمور المعنوية أثر في الأمور الحسية؟ ما في شك أن الله -جل وعلا- يفيض عليه من العلوم والمعارف ما يسد به حاجته، وهذا أمر مشاهد، تجد بعض الناس يقدم الطعام والشراب وليس له فيه حاجة؛ لأنه منهمك في عمل وإلا علم وإلا شيء ينفعه، ومع ذلك تجد مثل هذا من أقوى الناس من باب الإعانة الإلهية؛ لأنه لو كان طعاماً حقيقة لانقطع الوصال، وهو طعام معنوي، كما قال ابن القيم وغيره، يقولون: إن من له أدنى ذوق وتجربة بالعبادة أدرك شيء من هذا، الاستغراق في المناجاة، مناجاة الرب -جل وعلا-، والإقبال عليه غذاء للروح والبدن، كما أن بعض الأمراض تعالج بالعبادة، بعض الأمراض الحسية تعالج بالعبادة، وهي علاج معنوي، وإذا كانت الأمراض تشفى بالرقية، أمراض واقعة بالرقية والأمور المتوقعة الضارة تدفع بالدعاء فهذا منه، نوع منه، التجاء إلى الله -جل وعلا-، وانكسار بين يديه وتلذذ بمناجاته، هذا يغني عن الأكل والشرب؛ لكن ليس معنى هذا ما يتذرع به بعض الطوائف المنحرفة من أن الواحد منهم يجلس أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، ثم بعد ذلك تفتح له الفتوح، ويتراءى له أشياء، ويخبر عن مغيبات، ويكون لديه من المكاشفات والتجليات ما ليس عند غيره.