((أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول)) لا يستتر، وفي رواية: ((لا يستبرئ)) وفي رواية: ((لا يستنزه من البول)) فدل على أنه لا يحتاط لنفسه فيغسل النجاسات من بدنه أو ثوبه، أو ما يحتاج إليه، لا يجعل بينه وبين هذه النجاسات سترة، ساتر وحاجز، فدل على أنه يباشر النجاسة، لا يستتر من بوله، من البول، وفي رواية: ((من بوله)) وفي هذا رد على من حمل الحديث على عمومه، لا يستتر من البول، واستدل بهذا الحديث على أن البول نجس بإطلاق، ويدخل فيه بول مأكول اللحم، الشافعية يستدلون بهذا على أن بول مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم كله نجس؛ لأن هذا عذب؛ لأنه لا يستتر من البول، والبول مقترن بـ (أل)، و (أل) هذه عندهم جنسية فتشمل جميع الأبوال، لكن الرواية الأخرى تدل على أن هذه عوض الضمير، فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، فدل على أنه بول آدمي، وبول الآدمي نجس بالإجماع، وليس في هذا ما يستدل به لنجاسة أبوال مأكول اللحم، بل دل الدليل على أنها طاهرة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فدل على أنها طاهرة، طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعير ولا يؤمن أن يبول البعير في المطاف، فدل على طهارة بوله.
المقصود أنه لا يمكن حمل الحديث على عمومه بما ذكرنا، فمجانبة النجاسات واجبة، وهذا عُذب؛ لأنه لا يستنزه من بوله، ولا يستبرئ البراءة التامة من بوله، فدل على أن الاستبراء من البول واجب، بل كبيرة، عدم الاستبراء من البول كبيرة، كيف يتقرب بجسد نجس؟
((وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة))
النميمة نقل الكلام بقصد الإفساد، فالذي ينقل الكلام بقصد الإفساد نمام، ولا يدخل الجنة نمام قتات، نسأل الله العافية، قصده أن يفسد بين الناس، قصده أن يوغر الصدور على الأخيار، أو حتى على عموم الناس، لكن من ينقل أقوال الأخيار ليوغر صدور الناس لا سيما من بيده ضرر، وإن كان النافع والضار هو الله -عز وجل-، لكن بعض الناس مكنهم الله -جل وعلا- من بعض، فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام.