لا خلنا على القول الصحيح، النصارى ليس لهم نبي إلا عيسى وعيسى لم يقبر، فكيف يقال: ((لعن الله اليهود والنصارى)) عيسى لم يقبر؟ إما أن يقال: أنبياء اليهود أنبياء للنصارى؛ لأن دين عيسى -عليه السلام- مكمل لما جاء به موسى -عليه السلام-، أو يقال كما في الرواية الأخرى: ((اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)) فيكون اليهود اتخذوا قبور الأنبياء، والنصارى اتخذوا قبور الصالحين مساجد، بمعنى أنها. . . . . . . . . ويصلى عندها، وقد جاء النهي عن الصلاة إلى القبور، ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) أو ((لا تجلسوا على القبور أو تصلوا إليها)) "قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ولولا ذلك لأبرز قبره" النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أبرز قبره، دفن في بيت عائشة، فلم يبرز قبره خشية أن يتخذ مسجداً، لو كان بارزاً لجاء من جاء وبنى عليه مسجد، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، فدفن في بيت عائشة -رضي الله عنها-، وكان بيت عائشة مستقل بعيد عن المسجد بينه وبين المسجد السور خارج المسجد، ثم بعد ذلك احتيج لزيادة المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك فأدخل في المسجد، وأنكر من أنكر ممن وجد من الصحابة والتابعين، المقصود أنه حصل الإنكار، لكن تتابع الناس على ذلك، وتداولوه الأئمة عن الأئمة ولم يحصل بعد ذلك أن أبطلت الصلاة في المسجد النبوي؛ لأنه لم يبنَ على المسجد، المسجد مبني قبل القبر، والميت ما دفن في المسجد، فالمسجد قبل القبر، والمقبور ما قبر في المسجد، ولهذا تصحح الصلاة في المسجد النبوي بخلاف ما إذا دفن ميت في المسجد، أو بني مسجد على قبر فلا بد من أن يكون الحكم للسابق منهما، إن كان الميت دفن في المسجد ينبش ويخرج، وإن كان المسجد بني على القبر يهدم، وهنا يظهر الفرق بين المساجد التي بنيت على القبور وبين مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فأجاب رب العالمين دعاءه ... فأحاطه بثلاثة الجدرانِ