يقول الحديث الأول: "عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد" النبي -عليه الصلاة والسلام- علم ابن مسعود التشهد، وعلم ابن عباس التشهد، وهناك تشهد عمر، وتشهد مروي على صيغ متعددة، عن جمع من الصحابة، واختلف الأئمة في اختيار أي هذه الصيغ؟ فالحنفية والحنابلة اختاروا تشهد ابن مسعود، وهو أصح حديث في التشهد، فهذا الحديث هو المتفق عليه من صيغ التشهد، حديث ابن عباس وتشهد ابن عباس في مسلم، واختاره الإمام الشافعي، واختار مالك تشهد عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وهو في الموطأ، وكلها صحيحة، واختلافها إنما هو اختلاف تنوع، لكن من أراد أن يرجح من حيث الثبوت، فأصحها حديث ابن مسعود المذكور هنا، وهو على شرط المؤلف من المتفق عليه؛ لأن المؤلف اشترط أن لا يذكر إلا ما اتفق عليه الشيخان، وقد يحتاج إلى جملة أو إلى شيء يبين ما اتفق عليه الشيخان من مفردات البخاري، أو مفردات مسلم، قد يحتاج إلى شيء من هذا فيخرج عن شرطه، ولذا اقتصر على تشهد ابن مسعود، ولذا قلنا أيضاً المذهب له دور في هذا الاختيار، لكن هو يوافق الشرط، في الأصل لو كان تشهد ابن عباس في الصحيحين أو تشهد عمر قلنا: اختار هذا لأنه مذهبه، لكن هذا شرطه، وغيرها لا ينطبق على شرطه.
قال: "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نعود فنقول: هل الاختلاف اختلاف تنوع أو تضاد؟ هل نقول: إن هذا تنوع كما جاء في اختلاف صيغ دعاء الاستفتاح؟ فالمسلم مخير بين أن يقول هذا وهذا، يقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، أو يختصر على واحد منها، أو يرجح كان الاختلاف اختلاف تضاد لا بد من الترجيح، لكن ألفاظها كلها مقبولة، ولا ينفي بعضها بعضاً، وهي محفوظة أيضاً ليست بشاذة ولا منكرة، هي محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأقرب إلى أن الاختلاف بينها اختلاف تنوع، فعلى المسلم لاسيما طالب العلم أن يحفظ جميع ما ورد في الباب، وينوع، يأتي بهذا أحياناً، وهذا أحياناً، من الثابت من ذلك.