في هذا الحديث: "عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية" يعني أمره عليهم "فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد" إذا قرأ الفاتحة وقرأ السورة قرأ قل هو الله أحد، اجتهاداً منه، وحباً لهذه السورة التي تشتمل على صفة الرحمن، اجتهاداً منه من غير نص، وهذا سائغ في وقت التنزيل والتشريع، واكتسب الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد يقول قائل: أنا أريد أن اجتهد مثل ما اجتهد هذا، نقول: لا، هذا إنما اكتسب الشرعية؛ لأنه في وقت التنزيل، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو سعيد اجتهد في رقية اللديغ بالفاتحة، وما أدراك أنها رقية، ما سمع شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه اجتهد فأقره النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك، فالاجتهاد في عهد التشريع سائغ، وكانوا يفعلون، وكانوا يتركون، والقرآن ينزل، ويستدلون بهذا: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان شيئاً لنهى عنه القرآن، على كل حال الاجتهاد مثل هذا إنما يكتسب الشرعية من الإقرار، قد يقول قائل: كيف يقدم صحابي على أن يفعل شيء لم يسبق له شرعية؟ ما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وفعل الشيء الذي لم يسبق له شرعية في الكتاب ولا في السنة مما يتعبد به داخل في حيز البدع؟ نقول: هؤلاء خيار الناس إنما فعلوا هذا رجاء أن ينزل ما يؤيد أو يخالف؟ ولم ينكر عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو فعلت فعلاً تعتقده صالحاً، تتعبد به وتعتقده صالحاً من ينبهك على الصواب بعد أن انقطع الوحي؟ تستمر تتعبد بهذا وأنت على غير هدى، المقصود أن عمل هذا الصحابي اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-.