"من طول ما لبس، فنضحته بماء" النضح دون الغسل، لكن هل النضح مجرد الرش على البساط، أو على الحصير أو على الفرش المتسخ يجدي ويغني، أو إن كان هناك شيء يابس يرطبه؟ اليابس أسهل من الرطب؛ لأن اليابس لا ينتقل، فيطلق النضح ويراد به الغسل، فلعله غسله حتى زال ما به من وسخ, وإلا مجرد النضح يثير هذه الأوساخ "فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يقدم هذا الحصير الخلق المستعمل المسود من كثرة الاستعمال لأشرف الخلق؟! من قرأ ما جاء في عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف حقارة هذه الدنيا، وحقيقة هذه الدنيا، وساد النبي -عليه الصلاة والسلام- من أدم، حشوها ليف، وينام على حصير يؤثر في جنبه -عليه الصلاة والسلام-، وعنده ملاءة تصفط صفطتين، يضرب بعضها على بعض وينام عليها لتلين، لكن لما جعلت أربع رضي وإلا رفض -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنها تلين أكثر، فإذا لانت، فإذا لان الفراش ثقل الإنسان عن الطاعة، فكيف لو رأى الآن فرش الناس أطول من قامة؟! والنبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد أن تبسط له الدنيا، لو أراد أن تحول له الجبال ذهب حولت، لكنه رفضها؛ لأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، أو كمن استظل بظل شجرة، هذا بيتخذ هذه الأمور المريحة، لا، ليدخر له أجره، ويوفر له حظه ونعيمه في الآخرة، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل ولم يكن شحيحاً، إنما إظهار للعبودية والحاجة على وجهها، والآن إذا اعتمر الإنسان يبحث عن فندق خمس نجوم، ما يليق به، لو ما وجد إلا أربع نجوم رجع، ويبحث عن أغلى الحملات، تذكر أرقام خيالية في الحملات من أقرب الأماكن إلى مكة، أرقام شيء ما يخطر على بال، ينفق الشخص الواحد في هذه الحملة ما تنفقه عشر أسر لمدة سنة، بدون مبالغة هذا موجود، لكن لو يذكر الرقم كان قال: مبالغ فيه، لماذا؟ علشان إيش؟ لمدة أربعة أيام، وحج أنس -رضي الله عنه- على رحل ولم يكن شحيحاً، هذا الذي يذهب إلى أقدس البقاع ليؤدي هذه العمرة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- في أفضل الأماكن، ويبحث عن خمس نجوم، هذا كيف يجتمع قلبه أثناء عبادته في هذا المكان؟! ...