والصفوف جمع صف، يقول: "عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سووا صفوفكم)) " وهذا أمر بالتسوية، والمراد بالتسوية التعديل، تعديل الصفوف عن الاعوجاج، ومن التسوية التراص في هذه الصفوف، بحيث لا يوجد فيها فرج تكون موضعاً للشيطان، فالتسوية تكون بتعديل الصفوف، وكثير من المسلمين هداهم الله لا يهتمون بهذا الأمر، والأمر فيه شديد، كما سيأتي في حديث لاحق ((لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) فالأمر هنا للوجوب، والعلة في ذلك ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) قد يقول قائل: إن العلة تدل على الاستحباب وقد قيل بذلك، من تمامها، يعني من كمالها، فالتسوية أمر بالنسبة للصلاة كمالي؛ لأنه لا يعود إلى ذاتها ولا إلى شرطها فيكون كمالياً، لكن النص صريح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وتمام الشيء بجميع أجزائه، إنما يكون تمام الشيء بفعل جميع أجزائه، من تمام الصلاة قراءة الفاتحة، من تمام الصلاة أن الشيء لا يتم ولا يكمل إلا بصورته المجتمعة، بما في ذلك الأركان والواجبات والسنن، هذا تمامه، تمامه يكون بجميع أجزائه، وأما قول من يقول: إن التمام لا يدل على الوجوب لأن التمام قدر زائد على أصل الشيء فليس الأمر كذلك، السلام من تمام الصلاة، ولا تتم الصلاة إلا بقراءة، ولا تتم الصلاة إلا بركوع، ولا تتم إلا بسجود، وتشهد وسلام وغير ذلك، فلا تتم الصلاة إلا باجتماع أركانها، وتوافر شروطها وأركانها وواجباتها وسننها أيضاً، فالصلاة إنما تتم بهيئتها المجتمعة على الصورة التي رئي النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعرفنا أن من التمام ما هو ركن، ومن التمام ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، فلا يتعين أن يكون قوله في الحديث: ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) هل الصلاة التي لا يقرأ فيها صلاة تامة؟ ليست بتامة، ناقصة؛ لأن التمام في مقابل النقصان، فالشيء الناقص قد يكون نقصه نقصاً مخلاً، كترك الأركان والواجبات إذا كانت عن عمد، وقد لا يكون مخلاً في المستحبات، فلا يتعين أن يكون التمام في المستحبات، كما يقول من يصرف الوجوب إلى الندب بالعلة؛ لأن العلة تصرف عند أهل