"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((انتدب الله)) ولمسلم: ((تضمن الله)) " وسيأتي قوله: ((توكل الله)) وفي رواية: ((تكفل الله)) بمعنى التزم، وهذا إلزام وتضمين وكفالة من الله -جل وعلا- على نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه بذلك، وتكفل به، وتضمن به من غير أن يلزمه أحد، ولا ملزم لله -جل وعلا-، وإنما من كرمه وجوده التزم بذلك، كما أنه من عدله وفضله حرّم الظلم على نفسه، ولا ملزم لله -جل وعلا-، ولا يجب على الله شيء، فالله -جل وعلا- انتدب، أي: سارع بالثواب، وحسن الجزاء، والتزمه وتضمنه، وتكفله لمن؟ لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، والجهاد إذا أطلق إنما يراد به قتال الأعداء كما هنا.
((تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) ما قال: في سبيله، هذا التفات من الغيبة إلى التكلم، ((لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) يقول أهل العلم: فيه التفات، أهل العلم يقولون: هذا فيه التفات، نعم الضمير تغير من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم.
((إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي)) يعني لا يخرجه لذلك إلا إعلاء كلمة الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه، مبتغياً بذلك رضاه، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان به، لا يبعثه ولا ينهزه إلى الجهاد إلا الإيمان بالله -جل وعلا- والإخلاص له، وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار منهم الذي يخرج للجهاد، ويقدم مهجته، ونحره للعدو فيقتل في ساحات الجهاد، فيؤتى به يوم القيامة فيقال له: ماذا فعلت؟ قال: قاتلت وجاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقال له: كذبت، إنما قاتلت ليقال: شجاع، وقد قيل، فيؤمر به إلى النار نسأل الله العافية، فأول من تسعر بهم الثلاثة منهم هذا، نسأل الله العافية.