والقصاص مأخوذ من القص وهو القطع، أو من اقتصاص الأثر، وهو تتبع أثر الجاني للعثور عليه ليقص فيقطع، والقصاص سواء كان في النفس أو في الطرف من محاسن هذه الشريعة الكاملة التي كملها الله -جل وعلا- في آخر حياة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، التي هي ليست بحاجة إلى مزيد أو مزيج أو إدخال دخيل عليها فهي كاملة، وما وجد الخلل في المجتمعات الإسلامية إلا بعد أن تخلوا عن تطبيقها بحذافيرها، أخذوا منها ما يريدون، وتركوا ما لا يريدون فحصل الخلل، وتنكدت الحياة، ولذا نجد في مثل هذه البلاد التي تطبق فيها هذه الأحكام، ويتفيأ الناس فيها ظلال الأمن بسبب تطبيق هذه الشريعة، ولا يصاب الناس في أبدانهم ولا أموالهم ولا في أديانهم ولا في عقولهم إلا بسبب تخليهم عن هذا الدين، والحصة بالحصة، يعني إذا كان الخلل كبيراً، الإخلال بالدين إذا كان كبيراً كان الخلل في جميع نواحي الحياة كبيراً، وانظر ترى عن يمينك وعن شمالك فالله المستعان، والقصاص كما ذكرنا من محاسن هذه الشريعة، فلولا هذا القصاص الذي يوقف الجناة عند حدهم لرأيت الناس كالوحوش؛ لأن كل إنسان بحاجة إلى ما بيد الآخر، ويريد الحصول عليه بحق أو بغير حق، وهذه الحاجة حلتها الشريعة ولله الحمد بالمعاملات والعقود المباحة، ورتبت على ما يخالف هذه الحلول الشرعية عقوبات، إنسان يريد مال يبيع ويشتري يزرع يحرث، السبل -ولله الحمد موجودة- الشرعية، لكن يأخذ من مال غيره يسرق تقطع يده، وإلا صارت الدنيا فوضى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] نعم حياة، قد يقول قائل: القصاص موت ما هو بحياة، القصاص موت قتل فكيف يكون حياة؟! نقول: نعم حياة، شخص اعتدى على آخر فقتله قُتل القاتل انتهى الإشكال، لكن لو ترك هذا القاتل، ترك من غير رضا المجني عليهم، وإلا العفو بابه معروف في الشرع، تقرير الدية معروفة في الشرع، العفو أيضاً إذا كان بطيب نفس من أولياء المقتول ما صار له أثر، لكن يقتل ويعفى عنه من غير طريق أولياء المقتول المجني عليه، هنا يأتي الموت، وهنا يأتي الدمار؛ لأنه لا يكتفى بقتل واحد؛ لأن المجني عليهم ينتصرون ويثأرون، فيقتلون، ثم يقتل منهم، ثم يقتل من أولئك، وتعم