وفي حديث بريرة الآتي: "كاتبها أهلها على تسع أواق واشترطوا الولاء، وقالت عائشة: أنقدها لكم، التسع الأواق لأنها منجمة على تسع سنين، تدفعها نقداً ويكون الولاء لها، صار هناك محاورة بينهم ورفضوا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اشترطي لهم الولاء)) اشترطت لهم، التزمت بأن يكون الولاء لهم، فخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه المحاورة الطويلة، ثم قال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط)) لأنه قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- غرهم، لا، لا ما غرهم، إنما أراد أن يثبت الحكم، بهذه الطريقة يثبت، هم ما ظُلموا، هم لم يظلموا، القيمة بدلاً من أن تكون مقسطة –منجمة- على عدد سنوات دفعت فوراً، وبهذه الطريقة يعني بالترديد الذي حصل بالاشتراط الذي ووفق عليه يجتث الأمر من جذوره، خلاص ما في أحد يفكر أنه يشترط الولاء -خلاص- بعد هذه القضية، لكن لو قال: أخبريهم يا عائشة أن الولاء لمن أعتق، ينقل لنا وكغيره من النصوص لكن ما هو في القوة مثل ما لو قال: وافقي وبعدين يُبين الحكم، الآن اجتث الحكم من جذوره، ما في أحد يفكر بالولاء وهو بايع، إنما الولاء لمن أعتق، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم فدخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ((ألم أرَ البرمة على النار فيها لحم؟ )) فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: ((هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية)) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: ((إنما الولاء لمن أعتق)).
نعم هذه قصة بريرة قصة شهيرة، وأطال العلماء بشرح حديثها، وأفرد في بعض المؤلفات، واستنبط منه أهل العلم أحكام كثيرة جداً، لخصها الحافظ ابن حجر في فتح الباري.