يقول: "عن عائشة -رضي الله عنها-" في الحديث الأول "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى من يهودي طعاماً" النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في وصفه وفي وصف عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه متقلل من الدنيا، وعازف عنها، وأنه لا يدخر شيئاً، وجاء .. ، ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((لا يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) ... إلى آخره، ولذا يحتاج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويجوع -عليه الصلاة والسلام-، ويُرى الهلال والثاني والثالث في شهرين وما أوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-، وهو أكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأكرمهم على الله، ومع ذلك يشتري من يهودي، في هذا صحة المعاملة مع الكفار، وأن العقود تثبت لهم الحقوق التي يتفق عليها الطرفان من أجلها، وإن كانت معاملاتهم فيها ما فيها، وإن باعوا الخمر، وإن تعاملوا بالربا، لكن على الإنسان أن ينظر في عقده هو، لا يشتمل على محرم، لا يبرم معهم عقداً محرماً، لكن كونهم يتعاملون بالعقود المحرمة هذا لا ينظر إليه؛ لأن اليهود يتعاملون معاملات محرمة، ومع ذلك اشترى منهم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قد يقول قائل: لماذا لم يشترِ النبي -عليه الصلاة والسلام- من أغنياء الصحابة، من المزارعين من الصحابة، ومن أغنيائهم وأثريائهم؟ نعم؟ هذا أولاً: لبيان الجواز، وأن التعامل مع الكفار لا شيء فيه، إذا كانت المعاملة صحيحة، الأمر الثاني: دفعاً للمنة والحرج، من الذي يستطيع من الصحابة من كبارهم وأغنيائهم وأثريائهم أن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذمته لي مبلغ كذا، والرهن كيف يشرع؟ الرهن بالفعل بهذه الطريقة هل يمكن أن يكون صحابي يقول: لا، لا أبيعك يا رسول الله حتى ترهني كذا؟ فدفعاً لمثل هذا الحرج، وبياناً للحكم اشترى النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا اليهودي طعاماً له ولأهل بيته -عليه الصلاة والسلام-، يجوع ويربط الحجر على بطنه، وهو مع ذلك أشرف الخلق، وأكمل الخلق، وأخشى الخلق، وأعلم الخلق، وأكرمهم على الله -جل وعلا-، وسيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- "ورهنه درعاً" ... نعم؟