حقيقة التشاؤم من المرأة والدابة والمسكن

Q ثبت في الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك)، وجاء في حديث سهل بن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن)، رواه البخاري ومسلم، فهل التشاؤم من الطيرة؟ وكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ وهل يقاس على الفرس اليوم وسائل النقل الحديثة؟

صلى الله عليه وسلم هذا سؤال جيد ومهم وفيه نوع من التفصيل، لكن أجمل الجواب بما يلي: أولاً: الطيرة شرك، والطيرة المقصود بها التشاؤم من شيء لم يرد في الشرع بأنه مشئوم، والمقصود بالطيرة هنا: التشاؤم الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو الإحجام عن العمل أو الترك لا مجرد الاشمئزاز، فمن الطبيعي أن نشمئز من ذكر الشيطان أو من عمل الشيطان أعاذنا الله من الشيطان ومن أعماله ومن الطبيعي أن نشمئز من الكفر وذكر الكفر ومن الكافرين والكفار، فالاشمئزاز والكراهية للشر وأهله هذا من الإيمان ليس من التشاؤم، إنما التشاؤم هو ما يؤدي إلى إحجام الإنسان عن فعل الأسباب أو عن الإقدام على الأشياء، سواء كان إحجاماً قلبياً أو إحجاماً عملياً، فإذا أدى أي شيء من الأعمال إلى أن يترك الإنسان بدون سبب شرعي وإنما لمجرد أن سمع كلمة أو رأى شيئاً لا يعجبه أو خطر له خاطر فأعرض عن العمل، فهذا يعتبر من باب التشاؤم، وهو نوع من الطيرة.

إذاً: فالطيرة هي التطير الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو فعله من غير أمر شرعي.

وقوله: (شرك) هذا يدخل فيه جميع أنواع الشرك بما فيه الشرك الأكبر، فإذا كان التطير أدى إلى اعتقاد أن هذا الذي سبب ترك الفعل يضر من دون الله عز وجل، كما يتشاءم المشركون بما يدور حول أصنامهم تشاؤماً يؤدي إلى أن يعتقدوا أن هذا المتشائم منه يفعل من دون تقدير الله، فهذا شرك أكبر، لكن غالب صور التطير من الشرك الأصغر، وهو مجرد كراهية الشيء أدت إلى الإحجام خوفاً من أن تكون نتيجة الفعل غير حميدة أو نتيجة الإقدام غير حميدة، فهذا في الحقيقة نقص في الإيمان وشرك دون شرك، ويعتبر من كبائر الذنوب، وهو أغلب ما يقع عند الناس غير المشركين عند عموم المسلمين عن ضعف إيمان، وعن قلة فقه، وعن نوع من الجهل، فهذا شرك دون شرك، وهو الظاهر في عموم أكثر الطيرة التي تحدث عند الناس، ما عدا الذين يشركون أصلاً.

أما التشاؤم في هذه الأمور الثلاثة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقاس عليها غيرها إلا ما كان في حكمها، ويظهر لي والله أعلم أن السيارة في حكم المركوب الحمار والجمل والفرس.

وأيضاً التطير لا يعني بدون سبب هنا، يعني: الخبر في أن الشؤم يكون في ثلاث لا يفتح باباً للتشاؤم، إنما يعني: أن الإنسان إذا وجد أذى من أحد هذه الثلاث فليتخلص منه، ولا يجوز لأحد أن يعتقد ابتداءً أن المرأة مشئومة، هذا حرام، أو يعتقد ابتداءً أن الفرس مشئوم.

أو يعتقد ابتداء أن المسكن مشئوم، لكن هذه الأمور في الغالب أنها تدور عليها حياة الإنسان أو منافع الإنسان الضرورية، ومنافع الإنسان الضرورية أكثر ما تدور حول هذه الأمور الثلاثة، فمن هنا إذا وجد المسلم أذى كبيراً من هذه الأمور فلا مانع أنه يتخلص منه، فهذا يعتبر نوعاً من الشؤم، لكنه والله أعلم شؤم لغوي لا الشؤم الذي ليس له مبرر أو ليس له مقدمات، فهذه الأمور الثلاثة: المرأة والدابة والسكن الغالب أنه يحدث التشاؤم في بعض حالات أو من بعض أفراد من هذه الأمور، فقد تحدث أمور تنكد على الإنسان فيعد هذا من المعنى العام للتشاؤم لا المعنى الخاص المقصود بالتطير، ففيما يظهر لي أن الشؤم في هذه الأمور لون والتطير لون آخر، وأعود وأقول: إن هذه الأمور الثلاثة إذا واجه الإنسان منها أشياء تبرر التخلص منها فقد يسمى هذا شؤماً، لكن ليس تطيراً، ومع ذلك ليست هذه قاعدة؛ لأن كثيراً من الناس ما يواجه من عسر ومشاكل من هذه الأمور الثلاثة أحياناً يكون بسبب ذنوبه، وأحياناً بسبب تفريطه في الأوراد والأسباب الشرعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015