الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الصابوني رحمه الله تعالى: [حدثنا أشهب بن عبد العزيز سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله! وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون].
مثل هذا الكلام كثير عن السلف، وهو ذكر وصف أهل البدع ببعض أصولهم، وهذه راجعة إلى المختلف، فأحياناً يفسرون الشيء بجزئه، ولا يقصدون إخراج أنواع البدع الأخرى وأهلها، وإنما يقصدون القاسم المشترك، أو السمة العامة، وهذا كثير عند السلف، وقد خلط بسبب عدم فهمه كثير من الناس، وزعموا تحديد معان معينة على قول معين.
وفي هذا الكلام ذكر أهم سمات أهل البدع في نظر مالك بن أنس: السمة الأولى: الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وهذه سمة عامة في عموم أهل البدع لا يخرج منها إلا النادر القليل، والنادر لا حكم له.
فمن السمات العامة لأهل البدع والأوصاف العامة: أنهم يتكلمون في أسماء الله وصفاته وأفعاله بما ليس له أصل في الشرع.
السمة الثانية: أن هذا يندرج تحته ما دونه، ولذلك في الحقيقة هذا من فقه السلف؛ فإنهم أحياناً يذكرون البدعة بأعلى معانيها أو بأعلى صورها؛ لأنه يدخل بالمفهوم الضروري فيها ما دونها، فإذا كان من تكلم في ذات الله وأسمائه وصفاته يعتبر مبتدعاً، فكذلك من تكلم فيما دونها من أمور الدين، وهذا هو أعظم ما تكلموا فيه، وما تحته يندرج في مفهوم أهل البدع، وعلى هذا كل من تكلم في الدين -سواء في الأسماء والصفات أو في القدر أو في الصحابة أو في سائر أصول الدين- فهو مبتدع.
السمة الثالثة: أنهم لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون، وهذا عام في جميع مقالات أهل البدع، فجميع مقالات أهل البدع تحكمها هذه القاعدة، أي: أن أهل البدع ما سكتوا عما سكت عنه الصحابة، ولو سكتوا عما سكت عنه الصحابة لما وقعوا في البدع، سواء كانت بدعاً اعتقادية أو علمية أو عملية، والسكوت يعني: الترك، سواء ترك بالقول أو ترك بالاعتقاد أو ترك بالفعل، فلو تركوا ما لا يعنيهم وتركوا ما لم يتقرر في الشرع لما وقعوا في البدع.