ذكر سبب إفاضة السلف في نقل النصوص الواردة في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة وفائدة ذلك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب (التوحيد) الذي صنفه وسمعته من حافده أبي طاهر رحمه الله تعالى].

حافده يعني: حفيده.

قال رحمه الله تعالى: [باب ذكر أخبار ثابتة السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة، من غير صفة كيفية النزول مع إثبات النزول.

فنشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر النزول من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز وجل ولى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن مصدقون بما في هذه الأخبار من ذلك النزول، غير متكلفين للنزول بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية النزول.

وعن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت محمد بن المنكدر يزعم أنه سمع أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: نعم اليوم يوم ينزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا، قالوا: وأي يوم؟ قالت: يوم عرفة.

وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل الله تعالى في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلاً إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معز بني كلب، ويكتب الحاج، وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحداً إلا غفر له إلا مشركاً أو قاطع رحم أو عاقاً أو مشاحناً)].

أول الحديث ورد بأسانيد صحيحة، أما آخره فالله أعلم أنه لم يثبت بأسانيد صحيحة، ومسألة نزول الله عز وجل ليلة النصف من شعبان هذه ثابتة، والغالب أن أحاديثها صحيحة، لكن ينبغي أن نتنبه إلى أنه لم يرد النص في تخصيص هذه الليلة بشيء من العبادات، يعني: لا شك أنها ليلة ورد أن الله عز وجل ينزل فيها، ولها خصوصية من هذا الوجه، وعلى هذا فالله أعلم أن من تحرى قيامها لا على جهة أن قيامه أمر به شرعاً، لكن لأنه تحرى نزول الرب عز وجل فهذا لا حرج فيه، بشرط ألا يسمي هذه صلاة معينة، ولا أن يقصد بها أن هذه عبادة سنوية لابد أن تكون من فرائض الدين أو سننه الملزمة، ولا أن يضع لهذه الليلة خصائص أخرى من احتفال أو عناية بأعمال معينة، كأن يخصصها بعمرة أو يخصصها بشيء لقصد أن ذلك مشروع، فإنه لم يشرع لهذه الليلة أعمال، والصحابة والتابعون ومن تبعهم رووا هذا الحديث، ولم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص لها أعمالاً، مثلها مثل شهر رجب، فشهر رجب شهر فاضل، وهو من أشهر الله الحرم، وقد يكون هذا الفضل ينعكس على أعمال المسلمين في الخير، لكن لا يعني: أنه يتخصص فيه أعمال معينة بذاتها أو عبادات معينة بذاتها كما يقولون في الصلاة الرجبية، وكما يقولون في الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، كل هذه بدع.

فالناس يخلطون بين المشروع وبين غير المشروع، وبين ما ثبت فيه النص وما لم يثبت فيه النص، فقد ثبت النص بأن ليلة النصف من شعبان لها خصوصية نزول الرب تبارك وتعالى، وفي هذا إشارة إلى أن من قامها فلا حرج عليه، لكن لا يتعبد بذلك، بمعنى: أن يعتقد أنه من فرائض الدين أو من الأمور التي يلزم بها الناس أو يدعو إليها أو يضع لها صفة معينة أو اسم معين أو احتفال معين.

والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن عطاء بن يسار قال: حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال: (صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر؟ فلا ترى من القوم إلا باكياً، قال: يقول أبو بكر الصديق: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو ألا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح) هذا لفظ حديث الوليد.

قال شيخ الإسلام: قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، ولم يبحثوا عن كيفيته؛ إذ لا سبيل إليها بحال، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015