[الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد].
بدأ كلام الصابوني الآن بعد ذكر السماعات وذكر أسانيد الكتاب نفسه، وهذه عادة أهل العلم قديماً كانوا يثبتون الروايات والكتب بالإسناد، وهذا أمر طيب، وهو مما يدل على حرصهم على توثيق العلوم، كحرصهم على توثيق الحديث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام].
مسألة الزيارة من الأمور التي عبّر فيها المؤلف الصابوني رحمه الله بغير منهج السلف؛ لأن قصد المدينة لا ينبغي أن يعبّر عنه بزيارة القبر وإنما يعبّر عنه بزيارة المسجد؛ لأنه من المساجد التي تشد إليها الرحال، لكن أطلق ذلك نظراً إلى أن من يأتي من الآفاق ويزور المسجد لابد أن يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المشروع له أن يسلّم على عموم الصحابة كذلك، ويسلّم على أهل المقابر هناك، فبعضهم قد يتجاوز ويعبّر عن السفر إلى زيارة المسجد بزيارة القبر، وربما ذلك من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن العبارة لا توافق السنة في التعبير العام، ولذلك علّق عليه المحقق تعليقاً جيداً وقال: لعله يقصد السفر إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن بعض العلماء يسمون السفر لزيارة المسجد ويصرفون العبارة إلى معنى زيارة القبر؛ لوجود القبر هناك، وهذا فيه لبس، لكن مع ذلك قد يلتمس فيه العذر لمثل الصابوني، وقد يكون يرى خلاف رأي الجمهور، وليس هناك ما يمنع أن يرى خلاف رأي الجمهور، وتكون هذه من أخطائه رحمه الله، لكنها ليست في الأمور التي تخالف القطعيات.
ثم قال: إن شيخ الإسلام ذكر أن طائفة من العلماء يسمون السفر للصلاة في المسجد زيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، ويقولون: تستحب زيارة قبره أو السفر لزيارة قبره، ومقصودهم بالزيارة هو السفر إلى مسجده، وأن يفعل في مسجده ما يشرع من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم والدعاء له والثناء عليه.
أقول: يحتمل هذا، يحتمل أنهم أحياناً يعبّرون بهذا عن ذلك، تغليباً لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالسلام عليه، لكن لا يقصدون إنشاء السفر الإنشاء البدعي، وإنما إنشاء السفر لزيارة المسجد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وهدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عمّا يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها وعادوا فيها، وبدّعوا وكفّروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها، فاستخرت الله تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار؛ رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله].
نقف على هذا المقطع لنبدأ -إن شاء الله- من بداية تقريره لأصول الدين، ونسأل الله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.