ذكر أدلة إثبات صفة النزول لله عز وجل إلى السماء الدنيا

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخبر نزول الرب كل ليلة إلى سماء الدنيا خبر متفق على صحته مخرج في الصحيحين من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟).

ولهذا الحديث طرق إلى أبي هريرة].

فيما يتعلق بمسألة النزول أحب أن أنبه على أمرين: الأمر الأول: ما يتعلق بوقت النزول، فقد وردت نصوص كثيرة ذكرت أو تفاوتت في وقت النزول، من هذه النصوص ما يشير إلى أن وقت النزول حين يمضي ثلث الليل.

ومنها: ما يشير إلى أن وقت النزول من نصف الليل.

ومنها: ما يشير إلى أن وقت النزول الثلث الأوسط الذي يبدأ من النصف حتى يبقى سدس الليل.

ومنها: ما يشير إلى أن النزول إلى الثلث الأخير إلى طلوع الفجر، وهذه الأدلة ليس بينها تعارض، فهذا يدل على تنوع نزول الرب عز وجل، وتنوع النزول بحسب والله أعلم أقدار الليالي والمناسبات الفاضلة وغيرها، وقد يكون النزول أحياناً يشمل الليل كله، وقد يكون يشمل نصف الليل، وقد يشمل شيئاً من النهار، كما ورد في نزول الرب عز وجل عشية عرفة بين النهار والليل، وقد ورد أيضاً أن الله عز وجل ينزل مطلقاً في يوم عرفة.

فالمهم أن هذه النصوص ليس بينها تعارض، إنما هي دلالة على أن نزول الرب عز وجل يتفاوت بحسب الأحوال، وأن ذلك راجع إلى مشيئته سبحانه، فلا تعارض بين هذه النصوص.

الأمر الثاني: أن النزول من أفعال الرب تبارك وتعالى، وهو من أفعال الكمال، ويجب على المسلم أن يضبط نفسه سواء في هذه الصفة أو في غيرها، لكن نحن نتكلم عن صفة النزول، فعليه أن يضبط نفسه بألا يتوهم للنزول أوهاماً ولوازم، وسبق أن أشرت إلى أن المسلم لابد أن يتصور ويتخيل خيالات كلما ترد إليه ألفاظ الشرع بما فيها ألفاظ النزول، لكن هذه الخيالات لا تعدو مخ الإنسان الضعيف المحدود، وليست هي الحقيقة عن الله عز وجل؛ لأن حقيقة نزول الرب سبحانه لا يمكن أن تصل إليها العقول ولا تدركها الأوهام، ولا يمكن أن تعرف بحدود، ولا يمكن أن تشبه بأي نوع من الأنواع المعهودة عند الناس في عالم الشهادة، ولا تقاس بالمقاييس العلمية.

فإذاً: لابد أن نعتقد النزول لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وأن ذلك كمال، وأنه من أفعاله سبحانه التي تليق به، وما يتصوره الإنسان من الأوهام والتصورات والخيالات فهو منفي عن الله قطعاً؛ لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء، والحديث عن اللوازم لا ينبغي حقيقة، بل أرى أنه من الإثم، فالحديث عن اللوازم مثل الكلام عن الإخلاء والكلام عن الإملاء أو الملء أو نحو ذلك مما أشار إليه بعض السلف في الآثار هذا حكاية ما قاله الناس، ولعل للسلف عذراً، وهو بيان أن هذه الأمور باطلة، كما أن الله عز وجل رد على الذين زعموا أن لله صاحبة وأن لله ولداً، هذه أمور شنيعة يستشنعها الإنسان بفطرته، ومع ذلك ذكرها الله في القرآن؛ لأنها عقائد لقوم موجودين بين الناس ويدعون إليها، فكذلك السلف قد يعذرون في ذكر هذه الأمور؛ لأنها عقائد لبعض الناس، وصاروا يدعون إليها، ومن ذلك الإخلاء وما يترتب عليه أو ما يقال حوله، لكن المسلم ما دام في عافية ولم يسمع من أحد شيئاً وليس ممن يواجه هذه الأمور، الأولى له ألا يتحدث في هذه الأمور ولا يتكلم عنها إلا عند تقرير العلم عند الضرورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015