ذكر بعض الفروق المنهجية بين أهل السنة وبين أهل البدع في العقيدة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهنا الشيخ الصابوني رحمه الله سيذكر شيئاً من الفروق المنهجية، فبعد ما ذكر مسألة الصفات تفصيلاً، ومسألة كلام الله عز وجل والرؤية، بدأ يشير إلى الفروق المنهجية بين أهل السنة وبين مخالفيهم من أهل البدع، وأهل البدع كما تعلمون مناهجهم واحدة، وإن كانت تختلف طرائقهم ووسائلهم وتعبيراتهم، لكن مناهجهم في تقرير الدين واحدة، وكلها تقوم على الهوى، وهذا مما ينبغي أن يلم به طالب العلم؛ لأن طالب العلم إذا أدرك وعرف مناهج أهل البدع، سواء في تلقي الدين أو في مصادر الدين أو في منهج الاستدلال أو في تقرير العقيدة وبيانها أو في الدفاع أو في المواقف، أو في الحكم على المخالفين أو في الولاء والبراء ونحو ذلك، تميزت له كثير من الأشياء التي تخفى على أكثر الناس، سواء فيما يصدر عن أهل البدع قديماً أو في الحديث، فمن ألم بمناهج أهل الأهواء وفرق بينها وبين المنهج الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، وعرف وجوه التفريق استطاع أن يميز بإذن الله، وأن يملك الميزان الدقيق الذي يميز به بين البدعة والسنة فيما يتعلق بعقائد الناس وأقوالهم وأحوالهم وعوائدهم وممارساتهم ومواقفهم، لاسيما مع كثرة التلبيس في عصرنا هذا من قبل كثير من أصحاب الاتجاهات والحزبيات والشعارات؛ فإن تلبيسهم على الناس كثر، وكثير من طلاب العلم احتار؛ لأنه ما أدرك أو ما عرف الموازين الدقيقة التي قررها السلف بين البدعة والسنة وبين الحق والهدى وبين الحق والباطل وبين الهدى والهوى، فالشيخ هنا سيشير إلى شيء من الفروق في المناهج بين أهل البدع وبين أهل السنة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع أنهم إذا سمعوا خبراً في صفات الرب ردوه أصلاً ولم يقبلوه أو في الظاهر ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله].

في الحقيقة أن الفراغ هنا لا ندري ما هو، لاسيما أنه ربما يكون طويلاً أو كلمة غير واضحة، فمن الصعب أن نتقول على الشيخ، لكن الظاهر من خلال السياق أنه يقصد عبارة (أنهم خضعوا لمفهوم الظاهر) بمعنى: أنهم اعتقدوا الظاهر المبني على قياس الخالق بالمخلوق، وهذه مشكلة أهل الأهواء، ويتبين هذا من خلال تقعيد القاعدة.

قال أبو عثمان: (الفرق بين أهل السنة وبين البدعة أنهم -أي: أهل البدع- إذا سمعوا خبراً في صفات الرب ردوه أصلاً)، هذا منهج الجهمية والمعتزلة إذا وردهم النص من الكتاب والسنة في الصفات التي تنافي أصولهم ردوا النص، فالجهمية لا تتورع عن رد النصوص، وكذلك المعتزلة لا تتورع عن رد الأحاديث، وقد لا ترد القرآن، ولكن تتأول القرآن.

وهنا يشير إلى مذهب الفئة الثانية، وهم أهل الكلام والكثير من المعتزلة، والساقط هنا يشير إلى أنهم أخضعوا الفهم الظاهر للنصوص لأوهامهم وعقولهم، والله أعلم ما هو الساقط، لكن الذي أراده هنا وفسره أن أهل الأهواء إذا ما ردوا النصوص فإنهم اعتقدوا لها ظاهراً بحسب ما علموه من واقع المخلوقات، فإذا وردهم الخبر في إثبات اليد لله عز وجل اعتقدوا الظاهر وهو التشبيه، ثم أرادوا أن ينفروا مما اعتقدوه فوقعوا في التأويل، فهو يريد أن يقرر الأصل الثاني لأهل البدع، فالأصل الأول الرد، والأصل الثاني هو التأويل، والمنهج الأول رد النصوص، والمنهج الثاني هو التأويل، فالتأويل هو منهج الأشاعرة والماتريدية ومن سلك سبيلهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله، وإبطال عقولهم وآراؤهم فيه، ويعلمون حقاً يقيناً أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى ما قاله].

يبدو لي أن المعنى الذي يريده الشيخ من كلمة (وإبطال) هو إبطال الحقيقة الواردة في النص، أي: حقيقة الصفة الواردة في النص، وتقديم ما تتوهمه عقولهم وآراؤهم فيه، أو تقديم أحكام عقولهم وآرائهم في هذا، والعقول والآراء لا تحكم بالغيب، لكن حكموها فلما حكموها وقعوا في الضلالة، فأشار هنا إلى أنهم حكموا عقولهم، هذا ظاهر مراده، فتكون هذه قاعدة ثالثة من مناهج أهل الأهواء: المنهج الأول: رد النصوص.

والمنهج الثاني: تأويل النصوص.

والمنهج الثالث: إبطال دلالات النصوص وتحكيم العقول فيها.

والعقول مسكينة؛ فعقل الإنسان ما أدرك نفسه، فأي عاقل من العقلاء مهما أوتي من الذكاء وقوة العقل لو قيل له: صف لنا عقلك، وكيف يعمل عقلك؟ لما استطاع، لكن هم حملوا العقول ما لا تطيق وستخاصمهم يوم القيامة.

ويحتمل أن العبارة الساقطة صرفها إلى منهج السلف، وكأنه يريد أن يذكر أن السلف لا يحكمون عقولهم، هذا وارد، بمعنى: أنه انتهى من تقرير أقوال أهل البدع وذكر أنهم يحكمون عقولهم، وأن السلف لا يحكمون عقولهم؛ لأن السقط طويل فيما يظهر من كلام المحقق، فإنه قال: إنه بياض مقداره صفحة.

ثم أشار إلى منهج السلف بأنهم لا يحكمون العقل ولا يدخلون عقولهم، فعلى هذا نقول: إن الشيخ بدأ في تقرير منهج السلف فيما بعد في قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015