الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحب أن أنبّه إلى عبارة الشيخ التي كان يستعملها كثيراً ويستعملها السلف في وقته كثيراً أيضاً وهي التعبير عن أهل السنة والجماعة والسلف بكلمة (أهل الحديث)، ولا يقصد أهل الحديث مجرد الرواة أو المحدثين، إنما يقصد أهل الحديث الذين هم أهل السنة والجماعة؛ لأن أهل السنة والجماعة قدوتهم أهل الحديث المستمسكون بالحديث العالمون بالحديث دراية ورواية؛ فينبغي أن يفهم هذا أنه كلما يقول: أهل الحديث، إنما يقصد أهل السنة والجماعة، ولذلك سمى الكتاب: عقيدة السلف أصحاب الحديث، وجعل كلمة (أصحاب الحديث) مرادفة للسلف، وهم أهل السنة والجماعة.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وكتابه، ووحيه، وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم].
ستأتي كثيراً الإشارة إلى كفر من قال بخلق القرآن، وهذا اتفاق عند السلف: أن من قال بأن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأن القضية استبانة بأدلتها، ثم إنها إجماع عند السلف، والعجيب أن هذه المسألة مع مسألة الرؤية من الأمور التي لم يشذ فيها أحد من السلف عن بقيتهم، فكثير من مسائل الأصول قد يكون لبعض الأئمة فيها قول ربما لم يكن عليه السلف إما في جملة القول أو في بعض الجزئيات، إلا هذه المسألة مسألة القول بأن القرآن منزّل من الله غير مخلوق، ومسألة القول بإثبات الرؤية؛ فهذه من المسائل القطعية التي لم يشذ فيها أحد ممن يعتد به، فهي إجماع.
كذلك ذكر أن من اعتقد بأن القرآن مخلوق فقد كفر، وهذا حكم لكن لا يعني الحكم على المعيّن بإطلاق، فإن المعيّن الذي يقول بأن القرآن مخلوق نقول: بأنك قلت كفراً، لكن لا نكفّره حتى نعرف أنه عرف الدليل وعرف الحق وعرف وجه الاستدلال، ووجدت في حقه شروط التكفير، وانتفت موانع التكفير فإذا وجدت كُفّر المعيّن، أما ما عدا ذلك فيبقى الحكم عاماً، وربما يقول قائل: إن السلف ما كانوا يقولون بهذا القول في وقتهم، وأقول: نعم، حينما اشتهرت في ذلك الوقت قضية القول بخلق القرآن عند المعتزلة والجهمية وابتلي الناس بها قامت الحجة على الناس؛ لأن السلف أقاموا الحق، وصارت هذه القضية مشهورة في كل مجلس وفي كل مسجد وفي كل مكان وقامت الحجة فيها على الناس جميعاً؛ لأن السلف تكلموا وكتبوا وتحدثوا عند ذلك في المنابر والمناظرات، ولم يعد لأحد حجة في وقتهم، فكان من قال بخلق القرآن حُكم بكفره؛ لأنه قال ضد الحق، أما حين يغفل الناس عن هذه المسائل مثل ما يكون في عصرنا فيحتاج الأمر إلى تأن، فمن قال بأن القرآن مخلوق فهو كافر، لكن إذا حدث من معيّن هذا القول فيجب أن نتثبت من حاله، فقد يكون جاهلاً، فالجاهل يعلّم، وهذا هو الغالب في أكثر الناس، وأكثر الناس لو امتحنته -والامتحان بدعة- ربما يقول الباطل ويظنه هو الحق، فالعامي ما الذي يدريه؟ بل حتى طالب العلم المبتدئ والشاب الناشئ لو سألته ربما يقول الباطل ويظنه هو الحق.
فإذاً: لا ينبغي امتحان الناس في هذه المسألة ولا التعجّل في حكم الكفر على المعيّن، لكن الحكم العام على العين والرأس؛ لأنه إجماع ولا يجوز لأحد أن يحيد عن هذا الإجماع.