قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم].
هذه العبارات تمثل منهج أهل السنة تجاه أهل الأهواء، أو في معاملة أهل الأهواء، والشيخ لم يرتبها ترتيباً علمياً، وربما بدأ بالأخف قبل الأغلظ، أو أنه خلط بين هذه المسائل.
فأول درجات المنهج في التعامل مع أهل الأهواء: بغضهم وبغض بدعهم، وهذا أمر لا يعذر به أحد من أهل السنة؛ لأن البغض قلبي، أقول: أول درجات التعامل مع أهل الأهواء وأهل البدع البغض لما هم فيه من البدع والأهواء، وهذا يسع جميع أهل السنة؛ لأن البغض أمر قلبي لا يستطيع أحد أن يمنع أحداً منه، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم كذلك، والتقرب بالمجانبة القلبية هذا أمر أيضاً يستطيعه كل مسلم وكل صاحب سنة.
أما بقية الأمور فتختلف باختلاف أحوال الناس حسب الزمان والمكان والظرف والقدرة والاستطاعة، وحسب المصلحة ودرء المفسدة.
أما المصاحبة والمعاشرة فالأصل أن كل صاحب سنة يستطيع ألا يصاحب صاحب بدعة ويعاشره، إلا في حالات نادرة قد تستثنى عند الضرورة.
أما ما يتعلق بالقهر والإذلال والإخزاء والإبعاد والإقصاء والتباعد الجسماني، وكذلك ما يترتب على هذا من الهجر، وأيضاً ما يملكه ولي الأمر أو أهل الحل والعقد من التأديب والضرب والحبس ونحو ذلك، فهذه أمور تكون بحسب المصلحة ودرء المفسدة، وتكون مشروطة بحسب الإمكان والقوة والقدرة، وما لا يترتب على ذلك فتنة.
إذاً: منهج التعامل مع أهل الأهواء ممكن أن نقسمه إلى ثلاث درجات: الدرجة الأولى: البغض القلبي، وهذا يملكه كل مسلم وكل صاحب سنة.
والدرجة الثانية: ترك المصاحبة والمجالسة، وهذه يملكها أغلب أهل السنة؛ فأغلب أهل السنة يملكون ترك مصاحبة أهل البدع والأهواء.
والدرجة الثالثة: التعزير بأنواعه، وهذه غالباً لا يملكها إلا أهل الولاية والقوة وأهل الحل والعقد، ومن له سلطة أو ولاية، وهذه مشروطة أيضاً بقدير المصلحة ودرء المفسدة.