قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينة فيه، وكذلك الارتفاع من السجود والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها.
ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والمنكح والملبس، والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء سوء عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق والصبر، ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله والخصومات فيه، ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات.
ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فيهم، ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين، ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرّت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68]].
ذكر الشيخ جملة من الآداب والأخلاق التي هي من أصول أهل السنة والجماعة، وفي ذلك الإشارة إلى عدة أمور، منها: أن مسألة الآداب والأخلاق ليست مفصولة عن العقائد كما يظن بعض الناس، وليست في درجة دون العقائد؛ فإن العقيدة عند السلف تتمثل بأقوال وأعمال ومناهج، يعني: لابد من منهج في الاعتقاد ومنهج في التعامل ولا ينفك التعامل عن الاعتقاد.
ولذلك نجد أن بعض الفرق التي ضلت خاصة التي تنطعت في الدين، كالخوارج ومن سلك سبيلهم، نجد أن أعظم ضلالاتهم وأكثر انحرافاتهم عن منهج السلف في التعامل أدى بهم هذا إلى الانحراف عن المناهج العلمية فيما بعد، فصار منهجهم في التعامل مع الآخرين وفي التعامل مع المخالفين وفي التعامل مع بقية المسلمين فيه شدة وتنطع.
فمنهج التعامل منهج مهم جداً عند السلف بجزئياته وكلياته، ويرون أنه فعلاً هو الثمرة للاعتقاد وللعقيدة، ومن هنا كان السلف في كتبهم في الآثار وفي العقيدة يؤكدون على هذا المعنى، ويذكرون أهم جوانب التعامل في صلة الأرحام وإطعام الطعام والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام والاهتمام بأمور المسلمين.
وهذا فيه إشارة إلى خطأ أولئك الذين يزعمون أنهم يسعهم عدم الإسهام مع المسلمين في أعمال البر والخير، وأن الواحد ينزوي ويقول: ما لي وما للناس، وهذا في الحقيقة ليس هو منهج السلف، فالمسلم يجاهد ويصبر ويثابر ويحرص على مصالح المسلمين، ولا يلزم أن يكون عمله فقط في مجال الدعوة الخالصة بمفهوم المعاصرين فقط، بل ينبغي أن يتوسع في مفهوم الدعوة، فيساهم في أعمال البر وفي المؤسسات الخيرية، وفي الإسهام في نفع المجتمع في مؤسساته وفي المراكز العلمية وغيرها، وحتى في الجهود الفردية كل ذلك من أبواب البر التي تعتبر من المناهج الأصلية والكبرى عند السلف، فلابد من الاهتمام بأمور المسلمين، والأقربون أولى بالمعروف وأولى بالاهتمام.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الدين الكبرى التي يغفل عنها كثير من الناس، حتى ظن بعض المسلمين اليوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر موكول على هيئات أو جهات معينة.
نعم، الهيئات تقوم بما يخص الدولة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأفراد في بيوتهم وفي بيئاتهم وفي مجالات عملهم بما يستطيعونه ويملكونه، وبما يتماشى مع قواعد الشرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا لا يعذر به أحد، فمن هنا لا يجوز لأحد أن يقعد، وليعلم أن من منهج السلف إقامة هذه الشعيرة، وكذلك البدار إلى فعل الخيرات، واتقاء الطمع.
ويتواصون بالحق والصبر عليه، والصبر في كل شيء لابد منه، ولا يمكن أن ينتفع المسلمون بشيء من أعمالهم إلا بالصبر.
ثم ذكر التحاب في الله والتباغض فيه، ثم ذكر اتقاء الجدل في الله، والمقصود من هذا: أن الأصل عند السلف أنهم لا يلجئون للجدل إلا اضطراراً، فالعلم والتعليم هذا أمر مطلوب، ولا يمكن أن يقوم الدين إلا بالعلم والتعليم والتفقه بما في ديننا، لكن الجدال والخصومات والمراء لا تجوز إلا اضطراراً؛ فإن الجدال والمراء من سمات أهل البدع والضلالات.
ثم قال: (ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات) يعني: يعادونهم بقدر ما عندهم من الضلالات، فقد يكونون من المسلمين، فيكون لهم من الولاء بقدر ما فيهم من الخير والإسلام، وعلي