عقيدة السلف أصحاب الحديث في الصلاة خلف البر والفاجر والجهاد معهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً].

كما هو معلوم أن الشيخ وأئمة السلف جميعاً يقصدون بأصحاب الحديث أهل السنة والجماعة.

وأصحاب الحديث يرون إقامة صلاة الجمعة بشروطها وضوابطها في كل مكان، وليس فقط في الأمصار التي حددتها بعض الفرق أو بعض الفقهاء، ففي جميع أمصار المسلمين تقام صلاة الجماعة وكذلك العيدين وجميع الصلوات الخمس خلف كل إمام مسلم، سواء كان الإمام الأكبر الخليفة، أو ولاته الذين يتولون الصلاة في كل مكان، أو من ولوا وعينوا في المساجد من قبل الولاة والدولة.

فالأصل صحة الصلاة معه براً كان أو فاجراً، لكن الصلاة خلف الوالي أوجب من الصلاة خلف غيره، بمعنى أنه قد يشرع لجماعة المسجد ألا يقدموا من كان فيه فجور إذا لم يكن هو الإمام الأعظم أو الوالي، بمعنى: أنه إذا كان ليس هو الإمام الوالي أو الإمام الأعظم أو الخليفة أو من كان له ولاية عامة، فإنه لا ينبغي أن يتقدم إن كان فاجراً، ومع ذلك إذا تقدم فقد تصح صلاته، أما إذا كان والياً والناس لا يستطيعون أن يزيحوه عن الإمامة فتنبغي الصلاة خلفه؛ درءاً للفتنة والفرقة والفساد، وإن كان فيه فجور أو ظلم، فقد كان السلف يصلون وراء الحجاج، وهكذا بعض الصحابة كانوا يصلون خلفه رغم أنه ظالم.

فإذاً: شروط الإمامة ومواصفات الإمام يجب العمل بها عند الاختيار، أما عند الاضطرار -بمعنى: أن يكون الإمام له الولاية- فهنا لا ينبغي للمسلمين أن يشقوا عصا الطاعة، ولا يتركوا الصلاة خلف هذا الإمام، بل يصلوا حتى وإن كان فيه فجور وظلم، وصلاته إن شاء الله صحيحة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف].

وكذلك يرون الصبر على الأثرة منهم، وكل هذه الأمور راجعة إلى أحاديث صحيحة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من وصاياه العظيمة التي أوصى بها هذه الأمة؛ فقد أوصاهم بالصلاة خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً، والجهاد مع أئمة المسلمين أبراراً كانوا أو فجاراً، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والهداية والدعاء لهم علناً وسراً، فالدعاء لهم مشروع، بل هو من مراعاة مصالح المسلمين العظمى ومن تطبيق السنن التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بها.

وذلك كله راجع إلى قاعدة عظمى جامعة: وهي الصبر على الولاة والصلاة خلفهم وإن كان عندهم فجور، والجهاد والدعاء لهم وغير ذلك من الأمور، وعدم جواز الخروج عليهم أو إثارة الفتنة أو الفرقة عليهم، كل ذلك راجع إلى قاعدة عظيمة من قواعد الدين، تنظمها النصوص الكثيرة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنصوص إذا تكاثرت وكانت تتعلق بمصلحة عظمى من مصالح الأمة صارت من ضمن العقائد التي يجب التزامها، فالسلف رحمهم الله جعلوا هذا من ضمن العقائد التي تميز منهج أهل السنة والجماعة، ومن منهج السلف الصالح الحديث عن مناهج المخالفين، فكل هذه الأمور التي ذكرها راجعة إلى قاعدة عظيمة: وهي أن الجماعة وتحقيق الأمن ودرء الفتن والفرقة والشذوذ من مقاصد الدين العظمى.

أولاً: تحقيق الجماعة بكل معانيها، أي: الاجتماع وعدم الفرقة؛ وذلك مقصد عظيم من مقاصد الشرع، وهذا المقصد نجد أن النصوص تشعر المسلمين -بل توجب عليهم- بأن لا مساومة فيه، ولذلك ورد في الحديث الصحيح أن من جاء يفرق جمع المسلمين فيجب قتله براً كان أو فاجراً، بل يجب قتله كائناً من كان، كما ورد في مسلم وغيره، وفي قوله: (كائناً من كان) إشارة إلى أنه حتى لو كان عالماً زل أو أخطأ، أو كان من أهل التقى والصلاح إذا كان عمله يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين فهذا الأمر لا مساومة فيه.

إذاً: هذه المعاني جاءت لتحقيق الجماعة.

ثانياً: تحقيق الأمن للأمة، والأمن لا مساومة فيه أيضاً؛ لأنه لا يمكن أن يستقيم الدين وتقام الصلوات وشعائر الإسلام والحدود، ولا يمكن أن يأمن الناس على دينهم ودنياهم إلا بالأمن، فنظراً إلى أن ترك الصلاة خلف الأئمة وترك الجهاد معهم وترك الدعاء لهم والخروج عليهم أو إثارة الفتنة ضدهم كلها تؤدي إلى الإخلال بالأمن، فلذلك اعتبرها الشرع، كما ورد في الآيات والأحاديث أن الإخلال بالأمن من الأمور العظمى التي لا مساومة فيها.

كذلك درء الفتن أيضاً ودرء المفاسد العظمى على الأمة ودرء الفرقة والشذوذ أيضاً من مقاصد الشريعة، فهذه كلها من مقاصد الدين العظمى ومصالح الأمة الكبرى التي لا يجوز لأحد من المسلمين أن يساوم عليها، ولذلك جاء التأكيد في هذه المعاني، فيجب عدم اتخاذ الفجور أو الظلم ذريعة لخرق هذه القواعد، والأدلة على هذا صريحة كما هو معلوم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015