وقوله تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} يعني فراخه، فالحبة الواحدة أول ما تظهر تكون قصبة واحدة، ثم تُفرخ ويصير بجانبها فراخها، الصحابة كذلك أول ما نشؤوا كانوا قلة، ثم تكاثروا مثلما يتكاثر الزرع بالفراخ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} يعني قواه وأيده {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} ارتفع على قصبه {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} من حسنه، هذه صفة الصحابة رضي الله عنهم.
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ليغيظ بالصحابة الكفار، فالذين يغتاظون من الصحابة ويبغضونهم هم الكفار والمنافقون. واستدل أهل العلم بهذه الآية على أن من يبغض الصحابة فإنه كافر؛ لأن الله قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، وقال سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] ، وصفهم بأنهم بهذه الأوصاف العظيمة، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ، ثم قال في الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] .
هذه في صفة الأنصار، الآية الأولى في المهاجرين وهذه في الأنصار، ثم قال في التابعين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وهذا يشمل من جاء من بعدهم إلى يوم القيامة: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا} يعني: بغضا {لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
هذه صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة.