الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً.
ثم أما بعد: إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة، وبعد: فما زلنا مع كتاب الذكر.
قال المصنف رحمه الله: [عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)].
وهذا الدعاء يقال في أول الليل.
وقوله: (اللهم إني أسألك خير هذه الليلة) جاء في رواية من طريق ابن سويد: (وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة) أي: ما يقدر فيها من نزول الشر.
والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بإيكاء الأواني.
أي: بتغطية الأواني التي فيها طعام أو شراب؛ لأن الداء ينزل في ليلة في السنة، فلا تدري لعل الليلة التي تركت فيها آنيتك مكشوفة هي الليلة التي وافقت نزول الشر والداء من السماء، فحينئذ يصيب هذا الشر الإناء أو الطعام فتأكله فيصيبك ما قدر الله عز وجل لك.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أسألك خير هذه الليلة) أو من خير هذه الليلة، فكأنه عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن يصيبه من خير هذه الليلة المقبلة عليه، أو يصيبه خيرها كله، فهو إما أن يسأله من بعض خير هذه الليلة أو يسأله الخير كله.
قوله: (وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر) بفتح الباء وكسر ما قبلها، وهو: وسوء العمر، وأن أرد إلى أرذل العمر.
والكبر هو العمر المتقدم وهو السن.
وفي رواية: (وسوء الكبر)، الذي هو غمط الناس.
أي: ظلم الناس ورد الحق.
قوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر).
هذا دليل على أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وأن عذاب القبر ثابت في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي - عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) قال: أراه قال فيهن].
أي: إبراهيم النخعي ينقل عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: (أصبحنا وأصبح الملك لله) إلى آخر الحديث وإذا قاله في المساء قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إلى آخر الحديث، فهذا الدعاء يقال في كل صباح ومساء.
وفي رواية قال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها) ولم يقل: وشر ما بعدها، إنما قال: (وشر ما فيها) أي: من شر.
(اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر).
والهرم: الذي هو أرذل العمر.
(وفتنة الدنيا وعذاب القبر).
(فتنة) هنا اسم جنس، يشمل جميع الفتن التي يمكن أن يمر بها الإنسان في حياته، فتنة مال، فتنة نساء، فتنة جاه، فتنة سلطان، فتنة الدين، كلها فتن، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله عز وجل أن يقع في فتنة من فتن الدنيا أو الآخرة.
وهذا إما أن يكون لتمام وكمال العبودية لله، فهو عليه الصلاة والسلام معصوم أن يقع في مثل هذا، أو لأنه أراد أن يعلم أمته كيف يدعون الله عز وجل.
وفي رواية بزيادة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).