ثم يقول: وسبب هذا التنازع -أي: في مصطلح الإيمان والكفر ومن ينسب إليهما- تعارض الأدلة في الظاهر، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً، فتعارض عندهم الدليلان.
إذاً: هو يريد أن يقول: إن كل أعمال هذا الرجل إيمان، وهو أحرص على الإيمان والإسلام والتوحيد منك، لكنه يقول كفراً، فتعارض عندهم ما عليه الرجل عامة، وما يقوله خاصة في قضية بعينها تستوجب الكفر، فلما تعارض عندهم عمله وقيامه على التوحيد بما بدر منه مما يناقض هذا التوحيد قالوا: من قال كذا فهو كافر.
لفظ عام وشامل، والمستمع لهذه المقولة يعتقد أن هذا اللفظ شامل لكل من قال بذلك القول.
ومن الخطأ أن يحلف الرجل فيقول: ورب القرآن الكريم.
وهذا كفر، لأنه بقسمه هذا كأنه يقول: إن القرآن مخلوق، وهو في نهاية الأمر قول المعتزلة، مع أن القائل لا يكفر؛ لجهله.
قال: ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات -أي: من قال: القرآن مخلوق- لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه.
ومنهم: يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل، مع أن الإمام أحمد بن حنبل يعلم يقيناً أن ابن معين لا يعتقد هذا القول، إذ كانت هذه فتنة وقع فيها من وقع، وصبر فيها من صبر، وكان أحمد بن حنبل يمنعه عن مجلسه بعد أن تلقى عنه علم الجرح والتعديل، فرفض أحمد بن حنبل أن يلقى يحيى بن معين في المجلس، أو أن يدخله عليه كضيف أحمد بن حنبل.