قال: [وفي رواية النعمان بن بشير قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعير)].
والمزادة: اسم جنس للمزادة، وهي القربة العظيمة، سميت بذلك لأنه يزاد فيها من جلد آخر، وكانت العرب تحمل فيها المتاع، كالطعام والشراب وغير ذلك.
قال: [(ثم سار حتى كان بفلاة من الأرض، فأدركته القائلة - أي: وقت القيلولة- فنزل فقال تحت شجرة)، يعني: أنه نام تحت شجرة وقت القيلولة، والقيلولة اسم النوم وقت الظهيرة.
قال: (فغلبته عينه وانسل بعيره)، أي: نام فذهب بعيره في خفية.
[(فاستيقظ فسعى شرفاً فلم ير شيئاً، ثم سعى شرفاً فلم ير شيئاً)]، الشرف: المكان العالي، وقد يكون المراد به: الرجل العظيم في قومه، ذو المكانة السامية المرموقة، والمراد به هنا الأول، أي: أن الرجل انطلق إلى مكان عال لينظر بعيره، فلم يجد شيئاً، ثم نزل وانطلق إلى مكان آخر عال، فلم يجد شيئاً، حتى أيس من إيجاد هذا البعير أو الراحلة.
قال: [(ثم سعى شرفاً ثالثاً فلم ير شيئاً، فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه، فبينما هو قاعد جاءه بعيره يمشي، حتى وضع خطامه في يده)، يعني: أن البعير جاء من نفسه حتى وضع الخطام في يد صاحبه، والرجل كان قاعداً، بينما في الحادثة الأولى: (فاستيقظ فوجد البعير بين يديه أو ضالته)، فهل الكلام هذا فيه خلاف أم لا؟ لا يمكن أن نقول: إن فيه خلافاً، وإنما الخلاف هذا بتعدد الحوادث؛ لأن هذه الحادثة لم تقع فعلاً، يعني: أن الراوي الذي روى لنا هذا لا يروي لنا حادثة وقعت بالفعل، فينقلها ويصورها لنا كما هي، وإنما هذا تمثيل وتقريب ضربه النبي عليه الصلاة والسلام لبيان المعنى على الحالين، ففي هذا الوقت كان الشخص نائماً، ثم بعد ذلك يستيقظ فينظر فيرى ضالته أمام عينيه، بخلاف رجل آخر مستيقظ وينتظر، ومن شدة همه وحزنه ينظر في الصحراء شرقاً وغرباً، وبعد ذلك ينظر فإذا سواد آتٍ من بعيد، فيقول: يا ترى هل هذه ضالتي أم أنا لم أستطيع أن أرى جيداً؟ ويظل في هذه الشكوك، لكن على كل حال هناك بصيص أمل يمكن أن تكون ضالته، حتى تقترب منه فيعرف أنها ضالته، فلا شك أن فرحته هذه أتت تدريجية، بينما الآخر أتت فرحته فجأة، فهذا تمثيل لفرحة العبد بضالته على الحالين: حال الشك حتى أتاه اليقين، وحال اليقين الذي يراه فجأة.
قال: [(فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا حين وجد بعيره على حاله).
قال سماك: فزعم الشعبي -وهو عامر بن شراحيل - أن النعمان رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أنا فلم أسمعه].
يعني: أن هذا الحديث من رواية سماك بن حرب عن الشعبي عن النعمان بن بشير من قوله، ولذلك لا تجد في الحديث أن النعمان قال: حدثني النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده)، ثم بعد ذلك في نهاية الحديث تأتي المسألة التي هي محل خلاف، إذ إن سماكاً يقول: أنا الذي رويت الحديث عن الشعبي عن النعمان، لكن أنا أشك أن النعمان رفع هذا الحديث، يعني: أنه ليس من قول النبي وإنما هو من قول النعمان، والشعبي إنما يزعم أنه سمع النعمان يرفع هذا الحديث، وهذا من دقة المحدثين ودقة الرواة، وهذا ما كان يكفي سماك كما يكفينا، أي: ما دام أن الشعبي قد رفع الحديث فنأخذه، والعهدة عليه، لكن دقة المحدثين جعلت سماكاً يروي الحديث كما سمعه موقوفاً على النعمان.