قال: [حدثني أبو جعفر -وهو محمد بن الصباح - وعلي بن حجر السعدي جميعاً عن شريك، قال ابن حجر: أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أبوه صحابي كبير رضي الله عنه وعن أبيه.
[قال أبو سلمة أي: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وأبو هريرة نجم وعلم من أعلام الصحابة مع قلة صحبته للنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يصحبه إلا أربع سنوات؛ لأن أبا هريرة أسلم في العام السابع من الهجرة، وأتى من بلاد دوس باليمن واستقر بالمدينة، بل دخل أبو هريرة المدينة والنبي عليه الصلاة والسلام راجع من غزوة خيبر، فلزمه أربع سنوات أو أقل من ذلك، لكنه لزمه على ملئ بطنه أو على شبعه، ولذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: إنما شغل إخواننا من الأنصار زراعتهم وشغل إخواننا المهاجرون تجارتهم ولم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاغل، وإنما لزمته على ملئ بطني.
فضلاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قد دعا له.
وقد أسلم أبو هريرة قبل أمه، وكانت أمه تحاربه في دينه وإسلامه، فلما جاء أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة وجده بخيبر، فانطلق من المدينة إلى خيبر، ووجدتهم قافلون إلى المدينة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (مرحباً بـ أبي هريرة، فرحب بـ أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال: يا أبا هريرة! ألك عندنا حاجة؟ قال: يا رسول الله! ادع الله لأمي.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم حبب أبا هريرة إلى المؤمنين وحبب المؤمنين إلى أبي هريرة واهد أمه).
فانطلق أبو هريرة إلى أمه فرحاً يبكي بهذا الدعاء، وكانت حينئذ قد أسلمت في وقت حضور الدعوة.
ولما طرق الباب أبو هريرة قالت: من؟ قال: ولدك.
قالت: انتظر حتى أتم وضوئي.
فأسلمت ببركة دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وأتى بها أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام حتى تشهد صحبته، وحتى يحصل لها شرف الصحبة.
ولما رجع أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام رجع باكياً؛ من فرح ما وجد في أمه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من يبسط رداءه فأدعو له فلا ينسى شيئاً بعده قط، فقال أبو هريرة: فكنت أول من بسط، فبسطت ردائي فدعا لي النبي عليه الصلاة والسلام: ألا أنسى شيئاً من العلم قط.
قال: اضمم إليك ثوبك يا أبا هريرة! فضممته.
قال: فما نسيت شيئاً من العلم قط) فهذه مؤهلات أو بعض مؤهلات أبي هريرة رضي الله عنه وهو غصة في حلوق الملاحدة والزنادقة، وإنما يسعون سعياً حثيثاً للطعن في أبي هريرة، وفي حقيقة الأمر هم يقصدون الطعن في دين الله عز وجل، وإنما اتخذوا أبا هريرة بالذات قنطرة للطعن في دين الله عز وجل؛ لأنهم يعلمون أن الثقة إذا زالت عن أبي هريرة زالت الثقة بمروياته كذلك، وأبو هريرة من المكثرين، بل هو أكثر من روى السنة على الإطلاق، فهدْمُ أبي هريرة هو هدم لركن ركين، وأصول عظيمة من أصول ديننا، وهيهات هيهات! فإن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي يدافع عنه كما وعد: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38].
وأشهر الأقوال كما رجح ابن أبي حاتم ومن قبله أبوه: أن أبا هريرة اختلف في اسمه على نحو من ثلاثين اسماً، والراجح أنه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وإنما نسي الناس اسمه لغلبة الكنية عليه، وهي أبو هريرة.
وسبب تكنيته بذلك أنه كان ينام في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام مع أهل الصفة من المهاجرين؛ لأنه كان فقيراً، وكانت هرة تداعبه وتلاعبه، وكذلك كان يداعبها ويلاعبها، فلما رأى ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنت أبو هريرة).
وهريرة: تصغير هرة.
والهرة: هي القطة.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك ببعض أصحابه.
ومن ذلك: أنه دخل المسجد فوجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه نائماً على التراب في المسجد، فكان يكنيه بـ أبي تراب، مع أن كنية علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أبو الحسن، ولكن لما غلبت عليه صفة وهيئة وحال معين أطلقها النبي عليه الصلاة والسلام عليه من باب المداعبة والملاطفة معه رضي الله عنه.
قال: [عن