قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر -وهو محمد بن يحيى العدني نزيل مكة- كلاهما عن ابن عيينة -أي: أن كلاً من عمرو وابن أبي عمر يروي عن ابن عيينة، وهو سفيان بن عيينة أبو محمد المكي المدني - قال: قال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان -يعني: سفيان بن عيينة - عن إبراهيم بن ميسرة] وهو من الطائف، نزل مكة واستقر بها، فتلقى عنه سفيان بن عيينة.
قال: [عن عمرو بن الشريد].
وهو أبو الوليد الثقفي الطائفي، من ثقيف، من الطائف، وقبيلة ثقيف كلها كانت تسكن الطائف، فكل من كان ثقفياً فهو طائفي إلا ما ندر.
قال: عن عمرو بن الشريد عن أبيه -وهو الشريد بن سويد رضي الله عنه شهد بيعة الرضوان- قال: (ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً)].
أي: ركبت خلفه على الدابة.
وهذا يدل على جواز أن يركب على الدابة اثنان أو أكثر أياً كانت هذه الدابة: حماراً بغلاً فرساً دراجة أو غير ذلك؛ لأن بعض الناس يتحرج أن يركب خلف أخيه على الدابة ويقول: المماسة إما تفيد الكراهة أو التحريم، وهذا كلام في غاية النكارة والبعد، فقد قام الدليل على جواز ذلك وفعله من هو خير مني ومنك، وهو النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أردف خلفه قثم بن العباس، وعبد الله بن العباس، والفضل بن العباس، ومعاذ بن جبل، وأبا ذر، والشريد بن سويد، وأسامة بن زيد، ووالده زيداً، وبلال بن رباح، وأنس بن مالك وغيرهم كثير جداً، ولا فرق بين الدراجة وبين الحمار الذي سماه النبي عليه الصلاة والسلام (يعفور)، والذي يفرق إنما يفرق بغير دليل، والذي يحرم أو يكره إنما يحرم أو يكره كذلك بغير دليل، والأصل في ذلك الجواز.
ولذلك لفت نظر ابن منده كثرة إرداف النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه خاصة من الصغار، فصنف رسالة أسماها: (الأرداف)، ويمكن أن تقرأ: (الإرداف)، فسواء هذا أو ذاك، فقد جمع ابن منده في هذه الرسالة العظيمة جداً التي بلغت حوالي أربعين نصاً وزيادة جل من أردفهم النبي عليه الصلاة والسلام خلفه على الدابة، وأحاديثهم التي دارت في حال الإرداف، وهذا يدل ضرورة على أهمية هذا الأمر والاعتناء به، وحرص السلف على فعل ذلك، بل هو باب من أبواب الرحمة بالنسبة للصغار، وباب واسع جداً من أبواب الملاطفة للكبير، وتصور أن عظيماً يأخذ وراءه من هو أقل منه عظمة، وأن كبيراً يأخذ خلفه من هو أقل منه كِبَراً في القدر أو في السن، فهذا معاذ بن جبل أردفه النبي عليه الصلاة والسلام خلفه على الدابة وقال: (يا معاذ بن جبل! أتدري ما حق الله على العبيد؟ قلت: الله ورسوله أعلم).
وذكر الحديث بطوله.
فتصور أي شرف لـ معاذ بن جبل أن يقول: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه على الدابة.
ففيه باب من أبواب الملاطفة ومن أبواب الموادعة، وهو عظيم جداً في تأليف القلوب.
وهذه الرسالة، أعني: (الإرداف)، قد حققتها منذ اثني عشر عاماً ولم تر النور إلى الآن، ولعل من استلمها مني يمن علينا قريباً بطبعها.
قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟)].
أي: هل تحفظ شيئاً يا شريد من شعر أمية بن أبي الصلت؟ [قلت: نعم.
قال: (هيه)].
أي: هات، أو اقرأ، أو اقرض.
وقرض الشعر أولى من قراءته، لكن لا يقال: اقرض إلا لمن قرض الشعر نفسه، أما من حفظه فيقال: حافظ أو قارئ أو غير ذلك.
و (هيه) بكسر الهاء وإسكان الياء وكسر الهاء الثانية، ومعناها: هات ما عندك.
[(قال: فأنشدته بيتاً.
فقال: هيه -أي: زد- ثم أنشدته بيتاً.
فقال: هيه.
حتى أنشدته مائة بيت).
قال: وحدثنيه زهير بن حرب - أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة -يعني: كلاهما يروي عن سفيان - عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد أو يعقوب بن عاصم].
أي: أن إبراهيم بن ميسرة إما أن يكون روى عن عمرو بن الشريد أو عن يعقوب بن عاصم ولا يضر، والذي يترجح أنه روى عن عمرو بن الشريد؛ لأن معظم الروايات إنما ذكرت عمرو ولم تذكر يعقوب بن عاصم.
[قال: عن الشريد قال: (أردفني رسول