العمرى لغة بضم العين وإسكان الميم: هي ما تجعله للرجل مدة عمرك أو عمره، وقال ثعلب وهو إمام من أئمة اللغة: العمرى: أن يدفع الرجل لأخيه داراً فيقول: هذه لك عمرك، أو عمري، أينا مات دفعت الدار إلى أهله، أي: إلى ورثته.
وعرفها الحنفية والحنابلة بأنها: جعل المال في شيء يملِّكه لشخص آخر عمر أحدهما.
وعرفها المالكية والشافعية بأنها: جعل المال في شيء يملكه لشخص آخر عمر هذا الشخص.
وهناك ألفاظ مرادفة للفظ العمرى، منها: الإعارة، فبعض أهل العلم سوى بين العارية وبين العمرى، فالإعارة تمليك منفعة مؤقتة بلا عوض، كأن أقول لك: أعرتك هذا الذهب لتلبسه امرأتك، أو أعرتك هذا المسجل لتسمع به ثم ترده إلي.
والإعارة: هي عقد يقع على المنفعة بغير عوض، والفرق بين العمرى وبين العارية أن العمرى مقيدة بالعمر، بخلاف العارية.
وأما العريّة بغير ألف بعد العين، فهي أن يهب لك ثمر نخلة، أو ثمر شجرة دون أصلها؛ لتنتفع بثمرها، ولا علاقة لك بها.
أما المنيحة فليست في الشجر، ولا في النخل، إنما المنيحة في الدواب كالبقر، والغنم، والإبل، منحتك هذه الناقة لتحلبها وتأخذ لبنها ثم تردها إلي، أو البقرة، أو الشاة، أو المعز، والمنيحة إنما سميت منيحة لمنحك الممنوحة لبنها، والمنيحة خاصة بلبن الشاة أو البقر أو الغنم أو غير ذلك، ثم ترجعها إلى صاحبها.
ومن الألفاظ المرادفة للعمرى الرقبى، والرقبى في اللغة: مأخوذة من المراقبة، يقال: أرقبت زيداً الدار إرقاباً، والرقبى هي نفس العمرى، ولذلك الإمام البخاري في كتاب الهبات قال: باب العمرى والرقبى، فسوى بينهما.
وقال ابن عباس: العمرى والرقبى سواء.
فهو يرى أن العمرى هي الرقبى، وسميت الرقبى بذلك لأن كل واحد من طرفيها يرقب موت صاحبه لتبقى له، يعني: أعمرك عمرى، ثم انتظر موتك؛ لأنه بعد الموت ترد إليه داره.
والرقبى في الاصطلاح عند جمهور الفقهاء: هي أن يقول الشخص: أرقبتك الدار مثلاً، أو هي لك رقبى مدة حياتك، على أنك إن مت قبلي عادت إلي، وإن متُّ قبلك فهي لك ولعقبك.
وقال المالكية: هي أن يقول الرجل للآخر: إن مت قبلي فدارك لي، وإن مت قبلك فداري لك.
ذهب الفقهاء في الجملة إلى جواز العمرى ومشروعيتها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً، ولعقبه).
ولقوله عليه الصلاة والسلام: (العمرى جائزة لأهلها).
والعمرى نوع من الهبة يفتقر إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول والقبض، أو ما يقوم مقام ذلك.
إذاً: العمرى لابد فيها من إيجاب وقبول، وكذلك قبض، فلو قلت لك: أعمرتك هذه الدار، ولكني لازلت ساكناً فيها فلا تصح هذه العمرى؛ لأن الشرط فيها الانتقال والقبض، أو ما يقوم مقامه.
وقد اختلف الفقهاء في كون العمرى تمليك للعين ذاتها أو للمنفعة، فقال الجمهور عدا المالكية -يعني: الأحناف والشافعية والحنابلة-: هي تمليك عين في الحال؛ لما روى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها؛ فإن من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً، ولعقبة)، وفي لفظ: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن وهبت له)، لكن المالكية والليث بن سعد قالوا: إنه ليس للمعمر فيها إلا المنفعة، فإذا مات عادت إلى المعمِر؛ لما روى يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال: سمعت مكحولاً يسأل القاسم بن محمد عن العمرى: ما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا)، يعني: الناس إذا اشترطوا ملك المنفعة فلهم ذلك، وإذا اشترطوا أنها له ولعقبه فلهم ذلك.
وقال أبو إسحاق الحربي عن ابن العربي: لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والمنحة ونحوها، أنها على ملك أربابها) -أي: على ملك أصحابها الأول- ومنافعها لمن جعلت له.
وهذا الكلام مخالف لما قلناه؛ لأن مقصود ابن العربي أن عقود الهبات كلها على ملك صاحبها الأول، لكن هذا خلاف التمليك؛ لأن التمليك لا يتأقت، كما لو باعه إلى مدة، فإذا كان لا يتأقت حمل قوله: على تمليك المنافع؛ لأنه يصلح توقيته.
كما لو قال المعمِر للمعمَر: أعطيتك أو أعمرتك هذه الدار مدة حياتك، فإذا أنت متَّ ردت إليَّ، قال العلماء: الأقرب أنه عقد منفعة، وعقود المنفعة لا تمليك فيها.
فإذا كان التمليك لا يتأقت حمل قوله عليه الصلاة والسلام على تمليك المنافع، أي: له حق المنفعة له ولعقبه من بعده، وهذا يرتبط ارتباطاً شديداً جداً مع قوله عليه الصلاة والسلام: (فإنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث) وكافة أهل العلم على أن المواريث لا تقع على المنافع، إنما تقع على العين، فالذي يصح عندنا هو مذه