قال: [حدثنا محمد بن رافع، حدثنا ابن أبي فديك -وهو محمد بن إسماعيل - عن ابن أبي ذئب -وهو محمد بن عبد الرحمن - عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى -أي: حكم- فيمن أعمر عمرى له ولعقبه، فهي له بتلة، لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا ثنيا)] قوله: (بتلة) أي: عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب، والثنيا هي الاستثناء، يعني: لا يجوز له أن يشرط ولا أن يستثني.
لأنه أطلق أولاً، فقال: هذه عمرى لك ولعقبك، ولأن هذا هو مذهب جماهير العلماء، إذا قال: هي لك ولأولادك من بعدك، فأي شرط مع هذا اللفظ يبطل، وأي استثناء يبطل، فصيغة الكلام أولاً كأنه عقد بيع لكن بغير عوض، ونحن نعلم أن عقد البيع لا يجوز فيه شرط ولا استثناء، فلا يصح أن أقول لك: بعتك هذه الدار على أن تردها إلي بيعاً وشراء إذا أردت.
ولا يصح أن أقول لك: بعتك هذه الدار على ألا تسكنها أنت، لا يصح هذا الشرط.
واختلف أهل العلم في مثل هذا.
فبعضهم أبطل البيع أصلاً، وبعضهم صحح البيع وأبطل الشرط، والراجح أن البيع صحيح والشرط باطل لا يلزم به المشتري.
قال: [قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث، فقطعت المواريث شرطه].
الصورة الأولى: هي قول المعمِر للمعمَر: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك، هل يستوي قولك: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك، مع قولك: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك من بعدك؟ لا يستويان.
الصورة الأولى: لا تفيد التمليك.
الصورة الثانية: تدل على التمليك.
فقولك: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك؛ تفيد هذه الصورة ملك الرقبة؛ لأن المعلوم قطعاً أنه لا ينتقل بالميراث إلى الورثة إلا ما كان ملكاً للمورث.
أما إذا قال المعمِر للمعمَر: أعطيتك هذه الدار مدة حياتك، فإذا أنت مت انتقلت إلي، أو ردت إلي، هل يصح في مثل هذه الميراث؟
صلى الله عليه وسلم لا يصح؛ لأنها عمرى مشروطة بعمر المعمَر، إذا انتهى عمره انتهت العمرى، وردت إلى صاحبها ومالكها الأول.