قال: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ له، قال: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: (إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقول الرجل: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشتَ؛ فإنها ترجع إلى صاحبها)] لأنه أجاز العمرى بشرط الحياة، وعند أهل اللغة: أن العمرى لا تسمى عمرى إلا إذا قال المعمِر للمعمَر: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك؛ ولذلك العلماء يسمونها الرقبى، لأن كلاً من المعمَر والمعمِر يرقب وفاة صاحبه لتحقق الشرط، فلو قال الرجل لأخيه: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك، وهذا الأمر كان معروفاً في الجاهلية بشروط أتى الشرع فأبطلها، ولذلك لما هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة قام الأنصار رضي الله عنهم وأعمروا إخوانهم دوراً وحيطاناً، أي: بساتين وزروعاً ونخيلاً وغير ذلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الأنصار! لا تفسدوا أموالكم -وفي رواية: لا تهلكوا أموالكم-؛ فإن من أعمر شيئاً فهي لمن أُعمر ولعقبه)، حتى لا تكون العمرى بين المهاجرين والأنصار سبب نزاع وشقاق في المستقبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الأنصار! انظروا ما تصنعون؛ فإن من أعمر منكم لأحد من المهاجرين شيئاً فهي للمعمَر ولعقبه) لذلك وقع النزاع في العمرى هل تكون مدة حياة المعمر أو أنها تنتقل إلى الورثة؟ وهل العقد صحيح والشرط باطل بحيث تنتقل العين إلى ورثته؟ قال جابر: (إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك، وأما إذا قال: هي لك ما عشتَ؛ فإنها ترجع إلى صاحبها)، يعني: لو قال له: هي لك ولعقبك؛ تنتقل إلى الورثة، أما إذا شرط وقال: هي لك ما عشتَ، أي: هي لك مدة بقائك وحياتك؛ فإذا مات المعمَر رجعت الدار إلى المعمِر، فهذه وقع النزاع فيها.
قال معمر: (وكان الإمام الزهري عليه رحمة الله يفتي به) وهو راوي الحديث، فضلاً عن جابر الذي روى هذا الحديث بعدة طرق عنه، فإن هذا هو الذي فهمه جابر من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أن الرجل يفرق بين لفظين: فإذا قال: هذه عمرى لك، أو عمرى لك ولعقبك، فإنهما سواء؛ لأن العمرى عند الإطلاق تعني التمليك والانتقال عن طريق الميراث، إلا إذا اشترط واستثنى وقال: العمرى لك ما عشتَ، أو عمرى لك ما عشتُ، فيكون تعلقه بعمر المعمَر أو بعمر المعمِر، فأيهما مات أولاً انتقلت إلى الآخر، فإذا قال المعمِر للمعمَر: هذه الدار عمرى لك، أي: تعمرها وتسكنها، وتنتفع بها مدة بقائك وحياتك، فإذا متَّ انتقلت إلي، وإذا متُّ انتقلت لورثتي، فهذا الشرط محل اتفاق عند قوم، ومحل نظر عند آخرين.