الباب الرابع والتسعون: في إثبات فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.
قال: [قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)].
فإذاً: الصلاة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام أحسن من جميع المساجد بألف صلاة، أما المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة.
قال: [قال أبو هريرة رضي الله عنه: (صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد)].
يعني: آخر المساجد التي لها هذا الفضل، والمسجد الأقصى هو مسجد داود وسليمان عليهما السلام، ونحن أحق بداود وسليمان من اليهود عليهم لعنة الله، وإثبات الفضل لهذه المساجد، لأن الذي بناها أنبياء، فإن أول من أسس قواعد البيت الحرام وكذلك المسجد الأقصى هو آدم عليه السلام، وهذا الذي رجحه الحافظ ابن كثير، وابن تيمية وغيرهما من أهل العلم.
والذي رفع القواعد في البيت الحرام هو إبراهيم وإسماعيل، والذي رفع القواعد في المسجد الأقصى هو داود وسليمان.
والذي بنى المسجد النبوي هو النبي عليه الصلاة والسلام.
فيقول أبو سلمة: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك، وتلاومنا ألا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه، فبينما نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فتذاكرنا ذلك الحديث، فقال لنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد).
فهذا الحديث قد ورد موقوفاً ومرفوعاً من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
قال: [عن ابن عباس أنه قال: (إن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فأصلين في بيت المقدس -يعني: كانت وجعة مريضة، فنذرت لله عز وجل إذا شفاها أن تخرج إلى بيت المقدس لتصلي به- فبرئت ثم تجهزت تريد الخروج، واستعدت للرحلة من المدينة إلى الشام، فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها فأخبرتها ذلك وقالت: اجلسي وكلي ما صنعت -أي: كلي الأكل الذي أنت عملتيه ومتزودة به في الطريق- وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)]، الذي هو البيت الحرام.
فـ ميمونة رضي الله عنها اجتهدت في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على جواز الاجتهاد عند الصحابة، وعدم الرجوع في اجتهادهم أحياناً إلى النبي عليه الصلاة والسلام إذا كانت الحجة واضحة وظاهرة.
كما أن في هذا الحديث جواز العدول عن عين النذر إلى ما هو أفضل منه، فإن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فهي تجزئ عن الصلاة المنذورة في المسجد الأقصى.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى).
وشد الرحال: هو اتخاذ الرحلة إلى هذه المساجد.
الإمام أبو محمد الجويني يقول: يحرم شد الرحال إلى غير هذه المساجد، والإمام النووي يقول: هذا الكلام غلط، والصواب: هو مذهب الجمهور، أن هذا الحديث فيه فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وفضيلة شد الرحال إليها؛ لأن معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها، فمهما شددت رحالك إلى جميع المساجد في بقاع الأرض، فليس لها فضل شد الرحال كما لهذه المساجد، ولا ينفي ذلك جواز شد الرحال إلى غيرها لطلب العلم أو غيره.
وعبارة يحرم شد الرحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة، لم يقل بها إلا الإمام الجويني فقط، وغلطه وخطأه أهل العلم، وحملوا الحديث على أنه لا فضيلة في شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهذا لا ينفي أن تشد الرحال إلى غير هذه المساجد، لكن ليس لها فضل شد الرحال كفضل شد الرحال إلى الثلاثة المساجد.
يعني: كأن الحديث معناه: لا فضيلة في شد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة.
فمن ذهب مثلاً من القاهرة إلى قليوب أو إلى غيرها لسماع محاضرة -مثلاً- فإن هذا من شد الرحال، فعلى مذهب أبي محمد الجويني يحرم، وعلى مذهب علماء الأمة أن هذا الفعل جائز، لكن ليس فيه فضيلة شد الرحال كما في هذه المساجد الثلاثة.
ونريد أن نبين مسألتين: المسألة الأولى: ذكر اسم الشيخ بالقدح مناف للأدب في طلب العلم، والأفضل أن يقال: