قال الإمام النووي: (وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول؛ لأنه خان في ولايته وأمانته، ولهذا ذكر في الحديث في عقوبته وحمله ما أُهدي إليه يوم القيامة، كما ذكر مثله في الغال، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة).
حتى إن أهل العلم كانوا لا يأخذون شيئاً من طلابهم على سبيل الورع، لكن لو أن رجلاً عالماً بينه وبين أحد طلابه تعاملات أو جوار أو صداقة، وكانوا قبل ذلك يتعاطون الهدية، فالطالب يعطي العالم والعالم يعطي الطالب، فهذه هدية لا علاقة لها بهذا التحريم، فضلاً عن أنها ليست حراماً، ولكن أهل العلم كانوا يتورعون ويقولون: إنا لا نأكل بديننا وإنما نأكل بأموالنا.
وأحياناً يأتي الطالب بهدية فإذا ردها الشيخ انكسر قلب الطالب وربما امتنع عن الدرس خجلاً أن الشيخ أحرجه أو رده.
ومن الناس من يقول: شيخنا متكبّر.
أتيت له بهدية فلم يأخذها مني، في حين أن وجهة الشيخ وجهة شرعية في رد الهدية.
إن بعد الشيخ عن أموال الناس أمان له في دعوته، خاصة بعده عن أموال الأغنياء؛ لأن أكثر شيء يكسر عين الشيخ أن تمتد يده إلى أموال الآخرين، فإذا كانت يده نزيهة ونظيفة ولا تمتد إلا بالرفض والدفع فحينئذ يكون الشيخ حراً دائماً في فتاواه، أما إذا مد يده فإن اليد التي امتدت مرة لا بد أن تمتد الثانية والثالثة حتى تحرص هذه اليد على أن تمتد، وإذا رجعت خائبة مرة يعز عليه ذلك، لكنه يهون عليه أن تمتد يده الثانية والثالثة والرابعة حتى يكون هذا إلفاً مألوفاً له؛ فيألف أن يتكفف الناس دائماً، ولذلك المعصية إذا وقعت من المرء مرة هان عليه أن تقع الثانية، وطالما كان بعيداً عن المعصية فإنه يهابها ويخاف منها، وترتعد فرائصه عند ذكرها على مسامعه، وأعظم من ذلك جرائم الأموال في ذمة العالم والشيخ، ولذلك ينبغي أن يتربى الطالب منذ نعومة أظفاره في طلب العلم على أن يجعل بينه وبين أموال الخلق جداراً كجدار يأجوج ومأجوج؛ لأن هذا هو الحصن الحصين والسد المنيع الذي يجعلك تنطلق بدعوتك لا تألو لها جهداً، ولا تخاف أن يحرج فيها أحد، أما الذي امتدت يده إلى أموال الآخرين أو جيوبهم، فلا شك أنه إذا استفتاه هؤلاء جاملهم؛ لأنه إن لم يجامل حرموه ومنعوه أموالهم، مع أن أبخل الناس هم الأغنياء وأصحاب الأموال إلا ما رحم الله عز وجل.