باب تحريم هدايا العمال

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر محمد بن يحيى واللفظ- واللفظ لـ أبي بكر بن أبي شيبة - قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي -وأبو حميد مشهور بكنيته واختلف في اسمه على اختلافات شتى كذلك، فهو مشهور بكنيته- قال: (استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأسد)] أي: جعله عنده عاملاً.

استعمله على بيت المال فهو عامل، استعمله على الصلاة فهو عامل مع أنه الإمام والشيخ الكبير، لكن اسمه في الشرع: عامل؛ لأن الإمام استعمله.

أي: طلب منه أن يكون عاملاً في هذا المكان على إمامة الناس، أو عاملاً على الأذان، أو عاملاً على الصدقات، والعاملون عليها لهم أجر، فقد سماهم القرآن (عاملين) مع أنهم في الأصل جباة لأموال الزكوات وغير ذلك، وهم كذلك يعطون منها لأنهم من مصارفها الشرعية، فهم عُمّال عليها.

قوله: (رجلاً من الأسد) بالسين، وفي رواية: (من الأزد) بالزاي، وكلاهما صحيح، فهو أسْدي أو أزْدي، والرجل الذي استعمله النبي عليه الصلاة والسلام اسمه عبد الله بن اللتبية.

[قال عمرو وابن أبي عمر: (على الصدقة)].

أي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

والصدقة عند الإطلاق تعني: الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60].

قال: [(فلما قدم -أي: ابن اللتبية وجمع الأموال وأتى بالمال والسواد العظيم- قال: هذا لكم.

وهذا لي أهدي إلي.

قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه)]، أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم حينما يريد أن يتكلم أو يخطب؟ يبدأ بحمد الله وتمجيده والثناء عليه، ثم يدخل في الخطبة، ثم يختم بالحمد والصلاة.

قال: [(فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي)] أي: أنني حينما أبعث أحدكم ليأتيني بأموال يأخذ منها شيئاً ويقول: هذا أُهدي إلي! قال: [(أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟)] هذا يدل على أن الإنكار أحياناً يكون بالإغلاظ، لكن إذا كنت لا تؤتى بالقوة فسآتي إليك بالسياسة، وآتيك من الطريق والبوابة التي تصلح معك.

فلو أن واحداً أغلظت عليه عاند وانتقل من شر إلى أشر، ومن سيئ إلى أسوأ، وإذا تلطفت معه وترفقت معه ستكون معه نتيجة فينبغي اللطف معه، (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) فإذا كان هناك من لا يؤتى إلا بالقوة وبالضرب يضرب، وإذا كان هناك شخص لا يصلي فعندما تأتيه بالطيب يقول: هذا الكلام قديم، فإذا حُبس ثلاثة أيام وضرب صلى، فهنا يضرب ويحبس.

قال: [(أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً)] أي من أموال الناس بغير حق [(إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه)].

أورد الإمام مسلم هذا الحديث في هدايا العمال بعد الغلول؛ ليدل على أن هدايا العمال نوع من أنواع الغلول؛ وذلك لاتحادهما في العقوبة، فإنه يوم القيامة يحمله على عنقه بالضبط كنفس عقوبة الغال.

قال: [(إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر -تيعر: تصيح- ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه)] أي: بياض إبطيه، ولكنه ليس بياضاً في الحقيقة؛ لأن هذا المكان من وجود الشعر فيه لا يكون أبيض، وإنما يكون أبيض مترّباً كوجه الأرض؛ ولذلك يقال: عفرتا إبطيه، بسبب وجود الشعر فيشبهان وجه الأرض، ووجه الأرض اسمه عفر الأرض.

فقولك: تعفّرت: أصابك من عفارها.

أي: من سطح الأرض ووجهها.

ثم قال: [(اللهم هل بلغت مرتين)] عليه الصلاة والسلام.

أي: أنه يؤكد أنه قد بلّغ هؤلاء حتى لا يأتي واحد يوم القيامة فيسأل: لماذا أخذت هذا؟ فيقول: يا رب! هذه هدية.

[حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد.

قالا: أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية -رجلاً من الأزد- على الصدقة، فجاء بالمال فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مالكم.

وهذه هدية أهديت لي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟ ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً) ثم ذكر نحو حديث سفيان بن عيينة] السابق.

[حدثنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015